يرى الصديق العزيز أبو العلا ماضي أن على الإخوان أن يختاروا بين السياسة والدعوة، ويقول إنه خرج من الإخوان لأنهم رفضوا إلحاحه عليهم بأن يختاروا بين أن يكونوا جماعة دعوية أو حزباً سياسياً، مع معرفتي بأن خروجه من الإخوان لم يكن بالذات لهذا السبب، وإنما لخلاف على مشروع تأسيس حزب سياسي للإخوان. ويرى أبو العلا أن راشد الغنوشي تمكن بعقلانيته من إقناع حركته بانتهاج هذا الفصل بين الدعوي والسياسي وبذلك أنقذ الثورة والحركة والديمقراطية في تونس، ويقول بأن الإخوان نجحوا دعوياً ولم ينجحوا سياسياً منذ بداية حركتهم، ويومئ بأن الإخوان مثل المدرسة، ينبغي على من ينجح من طلابها أن يغادرها.
وأقول إنه إذا كان أبو العلا ماضي وزملاؤه الذين انشقوا عن الإخوان في عام 1995 وشكلوا حزب الوسط قد فعلوا ذلك قناعة منهم بأن التخلي عن المجال الدعوي والتخصص في المجال السياسي هو السبيل الأقوم، فماذا أنجزوا بعد عشرين عاماً من تشكلهم؟ وأين هو الدليل الذي يثبت به صواب رؤيتهم وصحة منهجهم؟
إذا كان الإخوان قد فشلوا سياسياً فهل نجح حزب الوسط أو أي حزب سياسي آخر في ممارسة العمل السياسي الحزبي في الساحة المصرية؟ لعل شيئاً فاتنا! هل سمح العسكر ومن يدعمهم إقليمياً ودولياً لأحد بأن يمارس السياسة في مصر يا أبا العلا؟
لقد كنتم حزباً سياسياً، فماذا فعلتم به وماذا أنجزتم حتى الآن؟ لعلك نسيت أنك في مصر التي تقرر فيه المؤسسة العسكرية من يجوز له ومن لا يجوز له أن يمارس أي شيء وليس فقط السياسة. لعلك للحظة عابرة ظننت نفسك في بريطانيا أو في السويد. ألم يمنعوكم دهراً من الحصول على ترخيص؟ فماذا كنتم تعملون طوال تلك الفترة؟ ألم تكونوا تمارسون الدعوة؟ ألم تكونوا تدعون إلى التغيير وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتلحون على الناس أن يفتحوا أعينهم ليروا الحق حقاً والباطل باطلاً؟ ألم تكونوا تشاركون في نشاطات شتى من خلال مؤسسات ما يعرف بالمجتمع المدني أو الأهلي، ضمن ما كان يسمح به أو يغض الطرف عنه؟ وحينما ثار الشعب على الطاغية ألم تقفوا معه بل وكنتم في مقدمة المطالبين بإسقاط النظام الفاسد، وكنتم في تعاون بل وتحالف مع الإخوان رأس حربة التغيير نحو الديمقراطية، وشاركتم معهم في حمل الهم الذي أوكل الناس حمله إليكم؟ ثم ألم ينلكم من ظلم الانقلابيين ما نال الإخوان وذقتم كالذي ذاقوا؟ فإذا كان الإخوان قد فشلوا، فهل أنتم خارج دائرة الفشل أم أن الموضوع لا علاقة له بالفشل ابتداءً؟
أما فيما يتعلق بحركة النهضة، فمن المبكر جداً أن يقال إن الحركة نجحت حتى الآن في إنجاز أي شيء بسبب الفصل بين الدعوي والسياسي. فالشيخ راشد الغنوشي لم يعلن عن هذا المشروع إلا مؤخراً في مؤتمر الحركة في العشرين من مايو 2016. لعل المشروع من قبل كان مجرد فكرة تهامست بها فئة قليلة في رأس الهرم القيادي في الحركة، ولذلك فاجأ الإعلان عنه الأقارب قبل الأباعد، ومازال منذ المؤتمر يسبب حالة من الارتباك والاضطراب في صفوف الحركة كما علمت من عدد من رموزها ونشطائها. نعم لقد نجحت حركة النهضة حتى الآن في الحفاظ على وجودها، ولكن ألم يكن ذلك بسبب تراجعها وتنازلها وانحنائها أمام الرياح العاتية التي لم تمهل أحداً في مصر، لا الإخوان ولا الوسط، لا الإسلاميين ولا اللبراليين ولا اليساريين، لا من عارض الانقلاب ولا من أيده في حينه؟ ولئن حافظت على وجودها، فهل ينبغي علينا أن نعتبر هذا بحد ذاته إنجازاً يستحق الثناء؟ هل بات هدفنا الأسمى هو أن نبقى على قيد الحياة؟ وما قيمة البقاء ضمن مشاريع مرخصة لم يبق لها دور أو قيمة سوى إضفاء مشروعية على نظام سياسي مستنسخ من ذلك الذي أسقطه الشعب؟ ما قيمة الحياة بعد أن نكون قد فقدنا هويتنا وتخلينا عن أهم وظيفة وأنبلها، ألا وهي الدعوة إلى الله، والصدح بالحق، والإنكار على الطغاة؟
أقترح على الأخ أبي العلا ماضي وقد يسر الله له سبيلاً غير الإخوان يخدم من خلاله وطنه وأمته، أن يترك الإخوان وشأنهم، فمهمة حل أزمتهم سيضطلع بها أبناء الجماعة وبناتها كما فعلوا في المرات السابقة التي تعرضوا فيها لمحن قاسية. لقد كان من حق أبي العلا وأصحابه حينما لم تعد تسعهم الجماعة أن يتركوها، فقد استجابوا لدعوتها وانتسبوا إليها بمحض اختيارهم عندما كانوا شباباً متحمسين، ثم لما نضجوا وشعروا أنهم تخرجوا من مدرستها غادروها بما أنهم نجحوا ولم يفشلوا، يفهم من كلام أبي العلا.
القضية الآن يا أخي أبا العلا لم تعد قضية الإخوان، وإنما قضية وطن مصري يعبث بمستقبله ويهدر كل مقدراته حفنة من العسكر لا يرقبون في مصري إلا ولا ذمة. ليست جماعة الإخوان هي التي بحاجة ماسة إلى التدارك والإصلاح وإنما مصر بأسرها التي تحولت بعد الانقلاب إلى محمية صهيونية.
أرجو مخلصاً أن يوفق الله أخي أبا العلا ورفاقه إلى أن يبذلوا ما وسعهم من جهد في لم شعث ما تبقى من حزب الوسط و إعادة بنائه ليقدم لنا النموذج الذي لم نره في أرض الواقع حتى الآن لا في مصر ولا في تونس، النموذج الذي عجز الإخوان عن إقامته، ألا وهو نموذج الحزب الإسلامي الذي لا يمارس الدعوة ويبدع في السياسة. حينها، وحينها فقط، يمكن أن نقول إن الإخوان فشلوا حيث نجح الوسط.
8
شارك
التعليقات (8)
ابراهيم المصرى
الثلاثاء، 21-06-201602:55 م
مقال هادى يخاطب العقل ويستشهد بالتاريخ والاحداث الجارية لاشك ان الدكتور التميمى هو واحد من المفكرين الكبار فى العالم العربى اتمنى من المهندس والمناضل الكبير ابو العلا ماضى ان ياخذ هذا الكلام موضع الاعتبار و يعود الى ماكان عليه ملتقى الافكار والباحث عن المشترك الذى يحترمه ويقدرة الكارة والمحب المؤيد والمعارض .
أبو خالد
الثلاثاء، 21-06-201606:44 ص
مقال هادئ ورائع وفق الله الدكتور عزام لكل خير
أبو حسن
الإثنين، 20-06-201606:47 م
ولا يزال الأستاذ يبرر ويتحرى التبرير للإخوان، كيف لا وهو أحد من دافع عن أخطائهم وتبنى سياستهم .. أستاذ عزام دعني اواجهك بالحقيقة: إن كل ما تعانيه المنطقة الآن هو نتيجة سياسة إدارة إخوان مصر الذي أعطوا الفرصة بعد الثورة فضيعوها وأدخلونا جميعا بالحائط .. وليت الدهاة أمثال أبي العلا ماضي تسلموا قيادة الثورة والدولة حينها لكان للمنطقة شأن آخر.
عبدالرحمن
الإثنين، 20-06-201602:38 م
إن جزءا كبيرا مما تمنع به أبا العلا ماضي من أن يتدخل في شأن الإخوان، يمنعك أنت وأنت الفلسطيني من أن تتدخل في الشأن المصري ..
من ترك الإخوان ومن لم يتركهم له الحق في أن يتدخل في شأنهم ما داموا صدروا أنفسهم للشأن العام بل ورئاسة ذلك الشأن!
لم يعد الإخوان شأنا خاصا ولا حكرا على الجماعة ولا منتسبيها، وأحق بك أن تفكر أنت وإخوانك في ما يصلح به أمركم، بدلا من الشقاق والنزاع حول مناصب اسطنبول ولندن والقاهرة ..
مصر في أزمة بسبب الإخوان والعسكر سواء بسواء، ومن يدعو لإصلاح الإخوان عندي كمن يدعو لإصلاح الجيش، له الحق في الدعوة وعلى شرفاء الإخوان وشرفاء الجيش السعي للإصلاح
ابو محمد
الإثنين، 20-06-201601:13 م
لا فض فوك دكتور عزام التميمي، لا خلاف حول عمق الازمة التي تعيشها الجماعة وضرورة المراجعات الداخلية، لكن يبدو منطق غربي يتجاوز الدور الاسرائيلي ومن خلفه الامريكي والعربي ليس في افشال تجربة الدكتور محمد مرسي بل بعدم السماح له أن يخوض تجربة اصلا، ثم ينادون بمحاكاة التجربة التونسية حيث لا القاهرة وعمان كما هي تونس ولا هم كم هو الغوشي.