قضايا وآراء

زوبعة ساويرس.. أعداد الأقباط ومطالب التدخل الدولي

قطب العربي
1300x600
1300x600
على خلاف الصورة التي حاول رسمها لنفسه من قبل، ظهر رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بوجه طائفي مقيت في مؤتمر قبطي في واشنطن قبل أيام كان يرفض حضوره خلال السنوات الماضية لأن الداعين له من أقباط المهجر معروفون بطائفيتهم المقيتة، ومن الواضح أن مزاج ساويرس قد تغير ليتجانس تماما مع أولئك المتطرفين، أو ربما وهذا هو الأقرب للدقة أنه يحمل بالفعل روحا طائفية أصيلة حاول من قبل إخفاءها ببعض المساحيق لكنه لم يستطع أن يخفيها لفترة أطول بعد أن زالت تلك المساحيق.

ظهر ساويرس في مؤتمر واشنطن حول أوضاع الأقباط في مصر متشنجا، مهددا بتشكيل جيش لا أول له ولا آخر لمواجهة من وصفهم بالإرهابيين في الشرق الأوسط، ومعلنا إنحيازه السافر للمرشح العنصري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب العدو الأول للأقليات في الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي اتهمها ساويرس هي ورئيسها باراك أوباما بدعم الإخوان في مصر وهو اتهام عجيب غريب حيث إن الجميع أصبح مدركا الدور الأمريكي في عهد أوباما في دعم الانقلاب على الرئيس مرسي والإخوان، كما ظهر ساويرس متحديا السلطات المصرية أن تعلن العدد الحقيقي للأقباط الذين يتوهم ساويرس أنهم يفوقون الـ15 مليون أي بنسبة حوالي 17% من سكان مصر البالغ عددهم 90 مليون نسمة، يستغل ساويرس والكنيسة القبطية إخفاء السلطات لعدد الأقباط منذ إحصاء عام 1996، وتعداد عام 2000 ليس خوفا من تزايد العدد ولكن من تناقصه ما سيثير صدمة لا تحمد عقباها لدى الأقباط، وقد سبق أن أعلن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء اللواء أبو بكر الجندي يوم 25 سبتمبر 2012 في مؤتمر صحفي أن عدد الأقباط يبلغ 5 ملايين و130 ألفا، شارحا أن الأقباط هم الأكثر هجرة، والأقل إنجابا وفقا لما نشرته جريدة الشروق، وقد هاج قادة الكنيسة بسبب تلك التصريحات، وإدعوا أنها غير صحيحة وأنها تخالف ما لديهم من بيانات، ومن ناحيتي أقول وبكل هدوء إذا كان لدى الكنيسة إحصائيات فعلا وصلت بعدد الأقباط إلى 15 مليون فلماذا لا تنشرها بالتفصيل وتسمح لمن شاء بالتأكد من تلك البيانات؟ بدلا من الضغط على الجهاز المركزي للإحصاء لإعلان بيانات مغايرة للحقيقة.

تاريخيا جرت عمليات تعداد لبر مصر في عهودها الملكية والجمهورية منذ العام 1897، ووفقا لدراسة للمؤرخ المستشار طارق البشري قدرت تلك التعدادات الرسمية نسبة المسيحيين في مصر إلى عموم الشعب من المواطنين بنسبة 6,3% في سنة 1897، وبنسبة 6,4% في سنة 1907، وبنسبة 8,1% في سنة 1917، وبنسبة 8,3% في سنة 1927، وبنسبة 8,2% في سنة 1937، وبنسبة 7,9% في سنة 1947، ثم تعدلت سنة الإحصاء لإدخال المزيد من الأساليب العلمية به، فجرى إحصاء في سنة 1960 كانت النسبة فيه 7,3%، ثم صارت 6,7% سنة 1966 في التعداد العام الفعلي، ثم بنسبة 6,24% في سنة 1976، ثم بنسبة صارت أقل من 6 % في تعداد سنة 1986، وهذا يعني أن النسبة ظلت تتراوح بين 8,3% وأقل من 6%، علما بأن النسب المرتفعة (8%) كانت تشمل قوات الإحتلال البريطاني في مصر، وإذا أخذنا بعين الإعتبار عمليات الهجرة الواسعة للأقباط المصريين في العقود الأخيرة فإن النسبة ستكون أقل من ذلك، وهو ما يتوافق مع بيان مركز بيو الأمريكي الذي قدر عدد المسيحيين المصريين في 2009 بـ4,5 مليون نسمة بنسبة 6% من عدد السكان، وهو ما أكدته أيضا بيانات للفاتيكان.

الغريب أن ساويرس وقادة أقباط المهجر أصروا خلال المؤتمر القبطي في واشنطن على التأكيد على أن الأقباط هم أقلية وذلك ردا على الكاتبة فاطمة ناعوت المناصرة لحقوق الأقباط والتي وصفتهم في كلمتها بأنهم ليسو أقلية، وهذا الموقف الجديد لساويرس بتوصيف الأقباط كأقلية بالمخالفة لمواقف كل القوى الوطنية في مصر يستهدف إجبار مصر على التوقيع على إتفاقيات دولية تحمي حقوق الأقليات، ويمهد لتدخل دولي لحماية الأقباط بدعوى أنهم مضطهدون، وهو موقف يخالف موقف المسيحيين المصريين أنفسهم تاريخيا حين رفضوا تصريح 28 فبراير 1922 لأنه تضمن بندا بحق بريطانيا في حماية الأقليات.

تحدث المشاركون في مؤتمر واشنطن كثيرا عما وصفوه باضطهاد الأقباط خصوصا في عهد الإخوان، ولكنهم تعمدوا تجاهل أن الرئيس مرسي عين مساعدا مسيحيا لرئيس الجمهورية وهو أعلى منصب سياسي وصلت له شخصية مسيحية في مصر منذ 75 سنة تقريبا، حيث تولى بطرس باشا غالي منصب رئيس الوزراء لفترة محدودة بين عامي 1908 و1910، وتولى ويصا واصف رئاسة البرلمان عام 1930، والأهم من ذلك هو أن المجال السياسي أصبح مفتوحا أمام الأقباط بعد ثورة 25 يناير، وربما كان إنفتاح المجال السياسي بمثابة مشكلة للأقباط لأنه كشف حجمهم الحقيقي في المجتمع، حيث فاز لهم 36 نائبا في برلمان السيسي من جملة 568 نائبا، أي بنسبة 6% تقريبا في أجواء كانت مهيأة لصالحهم تماما في ظل غياب التيار الإسلامي.

من الواضح أن تحطم أحلام ساويرس في رئاسة الحكومة أو على الأقل التحكم في اختيار رئيسها من خلال أغلبية برلمانية لحزبه "المصريين الأحرار" والضغوط المتواصلة عليه لسداد مديونياته (14 مليار جنيه) التي نجحت حكومة الرئيس مرسي من قبل في إلزامه بدفعها وقد دفع منها 7 مليارات جنيه  فعلا والضغط عليه للتخلص من قناته أون تي في وهي ضغوط لا تستهدفه منفردا كمسيحي ولكنها تمتد لكل أصحاب القنوات، كل هذه الأمور هي التي أخرجت الحقد الطائفي الدفين لدى ساويرس، لكن خروج هذا الحقد للأسف يهدد بفتنة طائفية كبرى ندعو الله أن يقي  مصر منها.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل