قضايا وآراء

الحصاد الاقتصادي لعامين من حكم السيسي

أشرف دوابه
1300x600
1300x600
شهد الثامن من حزيران/يونيو انقضاء عامين على حكم السيسي، والعبرة بالحكم على نجاح السيسي أو غيره ليست بالوعود ولكن بتنفيذها، وبالنتائج وليس بالكلام المعسول. ويكشف الواقع الاقتصادي في مصر انهيارا، وتبخرا لوعود السيسي الهلامية، واكتواء للشعب بلهيب ارتفاع الأسعار الذي لم يعد يبقي أو يذر، واستيقاظا للناس صباحا ومساء على شبه دولة كما وصفها السيسي نفسه، وكل هذا يعكس منهجية السيسي في الحكم القائمة على التجريف والتوريط والتخدير.

وقد بدا التجريف واضحا من خلال سعي السيسي لفك عقدة الشرعية ولو بأي ثمن، فعمد إلى إهدار ثروات وموارد البلاد، حيث تنازل عن ثلاثة حقول غاز في المياه الإقليمية المصرية بالبحر الأبيض المتوسط لقبرص واليونان وإسرائيل تقدر قيمتها بنحو 330 مليار دولار. كما أهدر حق مصر التاريخي في مياه النيل لصالح إثيوبيا بتوقيعه على وثيقة إعلان المبادئ بذات الخصوص طمعا في العودة للاتحاد الإفريقي، كما تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية طمعا في مزيد من الأرز الخليجي.

واستمر التجريف لاقتصاد الدولة من خلال عسكرة الاقتصاد، حتى أصبح الجيش هو اللاعب الوحيد والمحرك له، بدلا من حمايته الحدود وحفظه الثغور، وتم تعديل البنية التشريعية لتكون خادمة لهذا الهدف، فتم تعديل قانون المناقصات لإسناد المشروعات بالأمر المباشر للجيش، مع حظر الطعن من طرف ثالث على العقود المبرمة، وتم السماح لوزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما والمخابرات العامة بتأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال، ومن ثم السعي لتحويل الجيش والشرطة إلى وحدات من المرتزقة. وكذلك السماح للقوات المسلحة بتأسيس وإنشاء شركات بمفردها أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي. وهو ما زاحم القطاع الخاص وأدى لتصفية العديد من الشركات.

كما بدا التجريف واضحا أيضا من خلال رفع الدعم وزيادة أسعار الكهرباء والمياه والغاز، وفتح الباب على مصراعيه للخصخصة غير المسؤولة وفي مقدمتها خصخصة قطاع الكهرباء، ومن ثم مزيد من بيع المواطنين للمستثمرين. كما امتد التجريف إلى سعر صرف الجنيه المصري من خلال تخفيضه بنحو 25% في عهد السيسي وحده. وامتد التجريف كذلك إلى العاملين المدنيين بالدولة ففي الوقت الذي عمل السيسي على زيادة رواتب الجيش والقضاء أكثر من مرة وبصورة مبالغ فيها جعل جل همه السعي لتخفيض أجور العاملين المدنيين بالدولة، وتخفيض عددهم للنصف. بل امتد التجريف للقضاء على أي وسيلة لكشف الفساد، فعزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات عند كشفه للفساد - خاصة في الجهات السيادية- وبات سجنه أقرب من حريته من خلال استخدام سلاح القضاء لتصفية الحسابات.

أما التوريط فبدا واضحا من خلال توجه السيسي الملحوظ نحو الديون الداخلية والخارجية حيث بلغ الدين العام المحلي في نهاية ديسمبر 2015 مبلغ 2.4 تريليون جنيه، بزيادة في عهد السيسي وحده 600 مليار جنيه بنسبة زيادة 30.4%، هذا في الوقت الذي بلغ فيه معدل نمو الناتج المحلي في العام المالي 2014/2015 نسبة 4.2%، وهو ما يعني التهام الدين العام المحلي للناتج المحلي، والقضاء على أي فرصة لتحقيق تنمية. وإذا أضيف لذلك الديون الخارجية بات حجم الكارثة أكثر وضوحا، فقد أصبح الإسهال في الدين الخارجي للسيسي غاية، حيث ارتفع الدين العام الخارجي من 46.2 مليار دولار في بداية عهد السيسي إلى 47.8 في نهاية ديسمير 2015، علما بأن الرقم الأخير لا يتضمن القروض الخارجية التي أوغل النظام الحاكم في الحصول عليها  بعد ديسمبر 2015، والتي تقدر حتى نهاية مايو 2016 بنحو 20 مليار دولار، وهذا الرقم الأخير لا يتضمن القرض الروسي لبناء المحطة النووية بالضبعة والذي يقدر بمبلغ 25 مليار دولار، ويستخدم على شرائح  لمدة 13 عاما، ويسدد على 22 عاما.

لقد باتت سياسة السيسي في توريط الجيل الحالي والأجيال القادمة من المصريين في ديون لا قبل لهم بها ورهن مصر للدائنين مكشوفة للجميع، خاصة أن السمة المشتركة لهذه القروض هي أنها من أجل ترقيع الديون، وتمويل مشروعات باهظة التكاليف قليلة العائد، وبعيدة كل البعد عن تحقيق تنمية حقيقية وتوفير فرص عمل بصورة مناسبة، وهذا نتيجة طبيعية لإصابة نظام الحكم بالحول التنموي وغياب الأولويات. حتى بات نصيب كل مواطن مصري من الدين العام بشقيه المحلي والخارجي حتى نهاية ديسمبر 2015 نحو 30310 ألف جنيه، وبات الدين العام يحتل نسبة 98.4% من الناتج المحلي الإجمالي متعديا بذلك حد الأمان الذي يقدر بنسبة 60%، رغم ورود منح خليجية للانقلاب تعدت 40 مليار جنيه.

أما التخدير فبدا واضحا من تسويق السيسي للوعود، والمشاريع الوهمية الوجود، أو الموجودة ولكنها غير ذات جدوى موضوعا أو توقيتا، وفي مقدمة ذلك مشروع تفريعة قناة السويس الذي أهدر الملايين، وحمل موازنة الدولة ما لا تطيق، وزاد من لهيب سعر الدولار، من أجل ما سماه السيسي رفع الروح المعنوية للمصريين، حتى أن إيرادات القناة لم تعرف سوى انخفاض حصيلتها منذ افتتاح التفريعة في شهر آب/أغسطس الماضي حتى يومنا هذا. وكذلك مشروع المليون وحدة سكنية مع شركة أرابتك الإماراتية الذي بات نسيا منسيا. ومشروع استصلاح مليون ونصف مليون فدان رغم تأكيد خبراء المياه على عدم توافر المياه الجوفية اللازمة لزراعة هذه المساحة، فضلا عن مخاطر وصول مياه النيل لمصر في ظل وثيقة السيادة الإثيوبية التي وقع عليها السيسي، ومعاناة الأراضي الزراعية من الجفاف في الوقت الحالي.
 
وكذلك مشروع العاصمة الجديدة الذي تبلغ تكلفة مرحلته الأولى فقط 45 مليار دولار لبلد يعاني من شح في العملة الصعبة، وقد تم الاتفاق مع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار على تنفيذ المشروع، ولكن سرعان ما تم إلغاء مذكرة التفاهم وأصبح المشروع حبرا على ورق. ومشروع عربيات السيسي وثلاجاته الذي يعكس سطحية التفكير في حل مشكلة البطالة من خلال 350 سيارة مثلجة يعمل عليها ثلاثة شباب، وبتمويل 70% من القيمة. ومشروع شبكة الطرق الذي كشف غرق البحيرة والإسكندرية بالأمطار سراب تلك الشبكة فضلا عن كون مصر من أكبر دول العالم في ارتفاع حوادث الطرق. ومشروع مثلث التعدين الذهبي الذي بات مصيره كمشروع منجم ذهب السكري الذي يقع في مثلث التعدين وبات الحصول على معلومات عنه ضربا من الخيال. ومشروع حقل الغاز شروق الذي وصفوه بأنه أكبر كشف غازي يتحقق في مصر وفي مياه البحر المتوسط، في حين أنه تم عقد صفقات مصرية اعتبارا من العام 2019/2020 مع شركاء حقل غاز لوثيان الإسرائيلي لتوريد الغاز لمصر رغم أن حقل الغاز شروق يبدأ الإنتاج فيه في 2017.

كما بدا التخدير واضحا جليا من خلال الزوبعة الإعلامية التي صاحبت انعقاد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ في آذار/مارس 2015 وتفاهماته التي تعدت 175 مليار دولار وتحولت كغيرها إلى سراب. وتكرار إعلان السيسي عن مشروع تنمية سيناء وهو يقتل ويهجر أبناءها صبحا وعشيا. وكذلك إعلانه عن مشروع الإسكان الاجتماعي لتخدير الفقراء وهو في الوقت نفسه خفض دعم برنامج الإسكان الاجتماعي في الموازنة الجديدة 2016/2017 بمبلغ 500 مليون جنيه وبنسبة انخفاض 25%، حيث انخفض المبلغ المخصص لذلك إلى 1.5 مليار جنيه مقارنة بمبلغ 2.0 مليار جنيه في موازنة العام السابق 2015/2016.

إن مصر إذا كانت أصيبت بما سمي نكسة 5 حزيران/يونيو في العام 1967 على يد العسكر، فإنها أصيبت بنكسة كبرى على يد العسكر أيضا في 3 تومز/يوليو 2013، ولكن هذه الانتكاسة زادت بالتنصيب الفعلي لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في 8 حزيران/يونيو 2013.

وبعد عامين من حكمه لم يعرف الاقتصاد المصري سوى لغة الانهيار، فتراجعت مؤشراته منذ الانقلاب وبعد توليه السلطة، حتى تراجعت الصادرات في النصف الأول تومز/يوليو – كانون الأول/ديسمبر من العام 2015/2016 بنسبة 26% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وكذلك تراجعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 11.7% والإيرادات السياحية بنسبة 32.5%، وإيرادات قناة السويس بنسبة 7.4% عن الفترة نفسها. ولم يجد المواطن المصري سوى لباس الغلاء والجوع والخوف يحيط به من كل جانب.. فهل وجد هذا المواطن المصري ما وعده السيسي حقا؟!!... كلا وألف كلا، فإن الله كتبها ليوم الدين: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) سورة يونس/81.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل