مقالات مختارة

من مفاعل الضبعة إلى فوانيس رمضان

محمود سلطان
1300x600
1300x600
منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو 2014، رئيسا للبلاد، وخلال عامين من حكمه، أبرم الرئيس عددا من الاتفاقات بلغت قيمتها الإجمالية 95 مليار دولار، من بينها 45 مليار لإنشاء العاصمة الجديدة، وذلك قبل أن تنسحب شركة "إعمار" الإماراتية وإسناد المشروع إلى شركة صينية بدون أن يعرف أحد في مصر أية تفاصيل عن الصفقة.. يليها مشروع الضبعة النووي بقرض قيمته 25 مليار دولار.. والـ35 مليارا الباقية موزعة على صفقات سلاح وغيرها. 

هذا الرقم يمثل صدمة تشل قدرة أي عقل على التفكير.. فهو يعدل أكثر من ستة أضعاف الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، وغالبيته ودائع خليجية، وليس لمصر فيها إلا 3 مليارات دولار تقريبا.. والأخير هو الاحتياطي النقدي الصافي والفعلي.  هذه الاتفاقات المليارية، كلها دين وسلف، ورهنت مستقبل الأجيال القادمة، للخارج لقوى مالية خليجية.. فيما يظل جدواها وأولوياتها محل خلاف، فيما يخشى أن تكون قد جاءت في سياق أولويات أخرى، تتعلق بالعلاقات البينية مع عواصم القوة في الغرب، خاصة في الفترة التي تلت تغير المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في 3 يوليو 2013. لا يوجد أي تفسير يقدم مقاربة مقنعة لهذا المشهد، فيما تختفي خلف صورته الكبيرة، تفاصيل تشير إلى أنه ـ أي هذا المشهد ـ هو واجهة كبيرة لسياق عام يستعصى على الفهم والتفسير. 

من بين هذه التفاصيل الصغيرة، وبحمولة بالغة الدلالة في رمزيتها، هو أنه في الوقت الذي باتت مصر، تعيش على احتياطي نقدي معظمه ودائع للداعمين الخليجيين.. ما يجعلها عرضة للانهيار في أية لحظة، حال انسحبت القوى المالية الخليجية من دعم النظام الحالي.. نجد الأسواق المصرية، وقبل شهر شعبان تقريبا، قد أغرقت بفوانيس أشكال وألوان مستوردة من الصين؟! 

وهى بالتأكيد لم تأت بسداد قيمتها للمصدر الصيني بالجنيه المصري.. وإنما بالدولار الأمريكي!! فمن أين جاء المستوردون بهذه الأرقام الضخمة من العملات الأجنبية، ليستوردوا بها فوانيس رمضان؟!

الدولة أغلقت عددا كبيرا من شركات الصرافة، بدعوى تبعيتها لجماعة الإخوان المسلمين، واعتقلت رمز القوة الاقتصادية للجماعة حسن مالك، بزعم أنه على رأس "قوى الشر" التي تآمرت على الجنيه المصري، وهو من وراء رفع سعر صرف الدولار.. فيما انتعش الدولار أكثر وزاد سعره إلى الضعف، ومالك داخل السجن.. فيما ضيقت السلطات المصرية، على ما تبقى من شركات صرافة.. فمن أين جاء المستوردون بالدولارات لاستيراد الفوانيس.. ومن الذي سمح لهم بهذا، ولماذا لم يفعل قرار أولويات الاستيراد.. ومنع سلع حددها القرار من بينها الفوانيس والسلع الاستهلاكية والترفيه؟!

ما يهمني هنا: أنه من الصعب أن نرى اتفاقات الـ95 مليارا، في سياق مختلف عن سياق استيراد الفوانيس.. إنهما في تقديري في سياق واحد.. وعلى خلفية انهيار اقتصادي متوقع.. واحتياطي نقدي على الحافة، ويتحكم فيه المودعون العرب.. فمن يقدر على تقديم تفسير لا يقنع وحسب.. وإنما ويطمئننا على مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة.. وألا تقع دولة يوما ما تحت وصاية حامل الشيكات الإقليمي والدولي؟!

عن صحيفة المصريون المصرية
0
التعليقات (0)