الكبار والصغار من المسؤولين الحكوميين أو مسؤولي الأمم المتحدة يلعبون على مسرح نفاق السياسة الدولية، بينما تستمر الأزمات الدولية والحروب المستعرة تطحن الشعوب المستضعفة، وأولها أزمة الضمير العالمي. فإن كانت المنظمات الدولية تمثل الضمير العالمي وأهمها الأمم المتحدة؛ فهي لم تعد سوى قصر مشيد وبئر معطلة. حصون رفيعة منيعة، وميزانيات مليارية سنوية تتدفق بغير حساب، وموظفين امتلأت جيوبهم وتضخمت بالنثريات، يروحون ويجيئون لم يجيدوا شيئا مثلما أجادوا رسم الابتسامات المصطنعة والباهتة.
ليس خافيا قضايا الفساد المالي والتجاوزات المالية الكبيرة التي تورط فيها عدد من مسؤولي بعثات الأمم المتحدة في دول العالم الثالث، إضافة إلى رفض بعثات الأمم المتحدة التعامل بشفافية مع البلدان المعنية، وقد كان برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق مثالا حيا، حيث تم تزوير العقود والمتاجرة بأموال النفط وإدخال مواد غذائية منتهية الصلاحية. وبجانب الفساد المالي هناك الفساد الأخلاقي فهناك العديد من الجرائم الأخلاقية التي اقترفها أعضاء في بعثات الأمم المتحدة من حالات اغتصاب للنساء والأطفال، والمتاجرة بأعراض الضحايا، وإنشاء بيوت دعارة وغيرها من المظاهر غير الأخلاقية. هذا فضلا عن المواقف المتناقضة والقرارات التي تتخذها المنظمة الدولية في بلدان العالم الثالث خاصة. مع استمرار الصراعات التي تدور خلف الكواليس، حيث تتضارب مصالح القوى العظمى بعضها ببعض على حساب مصير الشعوب المعنية. الخميس الماضي قالت الحكومة السودانية إنها أفشلت محاولات أمريكية بمجلس الأمن لإضافة فقرات بحظر تصدير السودان للذهب، ضمن القرار الخاص بالتمديد للخبراء لتنفيذ القرار 1591 الخاص بحظر السلاح. وقال وزير الدولة بالخارجية السودانية، إن القرار الخاص بالتمديد للخبراء يتم سنويا، ولكن الجديد هذا العام أن الولايات المتحدة حاولت إدخال فقرات بحظر تصدير المواد الطبيعية، ولاسيَّما الذهب باعتباره يشجع على تأجيج الصراع في دارفور.
في الوقت ذاته، تقول صحيفة الواشنطن تايم إن الدولة –السودان- التي ترعي الإرهاب تسعى إلى تأدية دور الحليف للولايات المتحدة في هذه الحرب. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن السفير السوداني في واشنطن قوله إن بلاده أدت دورا كبيرا في مكافحة الإرهاب، وقدمت معلومات حيوية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في وكالات الاستخبارات عن أنشطة ما تعرف باسم الدولة الإسلامية، ومنظمة داعش في ليبيا ومصر والصومال ومناطق أخرى في شمال وشرق إفريقيا. وكشف السفير أيضا أن أجهزة المخابرات السودانية قد نسقت عمليا مع نظيراتها الفرنسية والإيطالية والأمريكية في هذا الصدد.
من جانب آخر أشاد منسق فريق الرصد الخاص بالعقوبات على منتسبي المجموعات الإرهابية بمجلس الأمن هانس جاكوب شايندلر، بجهود السودان وتعاونه الإقليمي في مكافحة الإرهاب. وقال مندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة إن اجتماع مجلس الأمن غير الرسمي للدول الأعضاء في شهر مارس الماضي، أشار إلى التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب مع المنظمات الإقليمية، ضاربا المثل بالجهود التي بذلت من قبل الاجتماعات التي عقدت في السودان لأجهزة المخابرات في وسط وشرق إفريقيا.
وفي إطار النفاق الأممي جدد مجلس الأمن الدولي في فبراير الماضي قراره رقم 2265 بشأن السودان حتى 17 مارس 2017م. ويقول القرار إن الأوضاع في السودان تتواصل في تهديد الأمن والسلام العالمي، مما يتطلب إصدار القرار تحت الفصل السابع الذي يتيح التدخل العسكري بشكل من الأشكال. وتشير المادة (16) من هذا القرار إلى التنديد بالهجمات على اليوناميد وعدم تعاون الحكومة في كشفها. وتعتبر قوات "يوناميد" أكبر بعثة أممية من نوعها في العالم، وتسيّر يوميا 160 دورية على امتداد إقليم دارفور الذي يفوق مساحة فرنسا. وتنتشر "يوناميد" عبر 35 موقعا موزعة في سائر أنحاء ولايات دارفور الخمس..ويقدر عدد أفراد البعثة بنحو 26 ألفا وميزانيتها بنحو 640 مليون دولار سنويا، خلال العامين 2013 و2014، وبلغت في عام التأسيس نحو 1.4 مليار دولار.
وتكبدت قوات "يوناميد" خلال وجودها بدارفور خسائر جسيمة في الأرواح إذ بلغ عدد القتلى 214 قتيلا منهم 144 جنديا، و43 شرطيا ومراقبا عسكريا واحدا و3 مدنين دوليين و21 مدنيا محليا واثنان آخران. وتأسست عملية "يوناميد" في الحادي والثلاثين من يوليو العام 2007م مع اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1769، بهدف حماية المدنيين.
المؤسف أن فشل الأمم المتحدة لم يكن الأول وربما لن يكون الأخير؛ فسبق أن نشر مجلس الأمن العديد من قوات حفظ السلام في مختلف أنحاء العالم، مثل الصومال، ولبنان، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليبيريا، سيراليون، كوسوفو، هاييتي، تيمور وغيرها من دول العالم. لكن الفشل في حفظ الأمن والسلام كان غالبا خاصة في كل من البوسنة والهرسك ورواندا.