سقط أبرز قادة «حزب الله» في ميدان المواجهة في سوريا. فقد صارت هذه المواجهة العنوان الأبرز للنشاط العسكري للحزب في السنوات الخمس الأخيرة، وهو الذي كان يعلن في السابق تفرغه للمواجهة مع إسرائيل، التي خاض مقاتلوه حربين معها: المواجهة الأولى والأطول والتي انتهت بتحرير جنوب لبنان عام 2000، والثانية التي انتهت بما سماه الحزب «النصر الإلهي» بعد حرب تموز (يوليو) 2006.
ومن المفارقات أن «حزب الله»، وعلى رغم القتال الشرس الذي خاضه قادته وعناصره المقاتلة مع إسرائيل، بعديدها الضخم، وبقدراتها المتفوقة، فإنه لم يخسر، على الأقل كما نعرف، وجوها بارزة من قادته، مثل أولئك الذين سقطوا في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ العام 2008 في سوريا، مع أن عددا من هؤلاء القادة، ومن بينهم عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، كان، كما يقول الحزب، في الصفوف الأولى في معارك جنوب لبنان.
يعيد البعض ذلك إلى أن «البيئة الحاضنة» لـ «حزب الله»، سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت، أو في قرى ومدن جنوب لبنان، لا تسمح بأي اختراق يمكن أن يطاول هذه القيادات. أفضل دليل على ذلك أن مصطفى بدر الدين، الذي قتل أخيرا في ما قال عنه «حزب الله» أنه غارة على أحد مراكزه، قرب مطار دمشق الدولي، والذي كان مطلوبا من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بتهمة التخطيط لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، إضافة إلى كونه أيضا هدفا أميركيا وإسرائيليا، كان يزور بصورة دورية منزل عائلته في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، ويلتقي جيرانه وأقاربه، من دون أي تخوف من إمكان اعتقاله أو الإبلاغ عن وجوده هناك.
وبصرف النظر عن ظروف مقتل قادة «حزب الله» في سوريا، وما يعتبر البعض أنه يعود إلى أن الحزب لا يمسك بالترتيبات الأمنية على الأرض السورية لحماية هؤلاء القادة، مثلما يستطيع أن يفعل في لبنان، فضلا عن تعدد الأطراف المتورطة في الصراع هناك، والتي أضيف إليها أخيرا الطرف الروسي، فإن التضحية بهؤلاء القادة في ميدان المعركة لحماية نظام بشار الأسد تؤكد، إذا كانت هناك حاجة لتأكيد جديد، مدى الترابط العضوي الذي أصبح قائما، في المصلحة والمصير، بين الحزب والنظام السوري. كما تؤكد كم أن هذا النظام بات مدينا لـ «حزب الله» ببقائه في الحكم.
هذا الترابط هو الذي يفسر إسراع الحزب إلى اتهام «الجماعات التكفيرية» بتنفيذ القصف المدفعي في المنطقة القريبة من مطار دمشق حيث قتل بدر الدين، بالرغم من أن تقارير أخرى أكدت أنه لم يسجل سقوط قذائف من منطقة الغوطة الشرقية التي توجد فيها المعارضة باتجاه مطار دمشق منذ أكثر من أسبوع.
ويأتي هذا الاتهام في سياق مختلف عما دأب عليه «حزب الله» في مرات سابقة، عندما كان يتهم إسرائيل بالمسؤولية عن اغتيال قادة آخرين مثل عماد مغنية وابنه جهاد، وسمير القنطار. هذا يعني أن العدو أصبح مشتركا للحزب وللنظام، كما أنه دليل جديد على إصرار الحزب على رفع مستوى المعركة المصيرية التي يخوضها في سوريا إلى مستوى معاركه السابقة مع إسرائيل، ما سيبرر تورطا أكبر وأعمق في الحرب السورية، بهدف أصبحت له الآن مبرراته من وجهة نظر الحزب، وهي الانتقام لدماء أحد قادته البارزين.
كما أن من شأن توجيه إصبع الاتهام إلى «الجماعات التكفيرية» أن يوفر أيضا طرح أسئلة أخرى، كان يمكن أن تبدو مشروعة، مثل: كيف توصلت هذه الجماعات إلى معرفة مكان وجود مصطفى بدر الدين، وما إذا كان موجودا في سوريا أساسا، وهو الذي توالت أخبار عن وجوده في ايران منذ إعلان أخبار ملاحقته ومحاولات اعتقاله من جانب المحكمة الدولية؟ ومن هي الجهة السورية التي كانت تتولى مسؤولية حمايته وكانت تعرف بالتالي طبيعة عمله وتحركاته ودوره المهم في الميدان السوري؟