كتاب عربي 21

استصلاح أراض مصرية بمياه غير متجددة

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
أراد رأس النظام فى مصر أن يبدأ باكورة مشروعاته القومية باستصلاح مليون فدان، ليسد من خلال إنتاجها بعضا من الفجوة الغذائية المتزايدة، خاصة بالمحاصيل الإستراتيجية وأهمها القمح، حيث أعلن في يوليو تموز 2014 عن المشروع عقب اجتماعه بعدد من الوزراء والمحافظين.

وفي سبتمبر أيلول من نفس العام أعلن وزير الزراعة أن الجنرال طلب منه أن يتم استصلاح المليون فدان خلال عام واحد، وهو ما أكده رئيس الوزراء إبراهيم محلب، على أن يكون المليون فدان مرحلة أولى لاستصلاح أربعة ملايين فدان.
 
وما أن تم الإعلان عن اعتماد غالب استصلاح المليون فدان، على المياه الجوفية ووقوعها جغرافيا في جنوب البلاد، حتى أعلن العديد من خبراء الزراعة والري من الموالين للنظام العسكري الحاكم، عن اعتراضهم نظرا لندرة المياه أصلا.

واعتبار المياه الجوفية بمثابة احتياطي استراتيجي، في ضوء عدم وضوح التأثير المتوقع لإنشاء سد النهضة على المياه لمصر، سواء لأغراض الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي.
 
واعترضوا على الزراعة بجنوب البلاد شديدة الحرارة، مما يزيد من الإحتياجات المائية واقترحوا بدلا منها الزراعة بالساحل الشمالي الغربي، والذي تكثر به الأمطار ولا يحتاج سوى رية تكميلية يمكن تدبيرها، من خلال ترعة سبق إنشاؤها تسمى ترعة الحمام، وغمرتها الرمال بتطهيرها من تلك الرمال.
 
كما ذكروا أن المياه الجوفية في مناطق الاستصلاح المعلن عنها، غير متجددة مما يعني إمكانية نضوبها بعد ستين عاما، وأن حفر الآبار لاستخراج المياه يتم على أعماق بعيدة تصل إلى 1200 مترا، مما يزيد من تكلفة الطاقة لاستخراج المياه.

وبما يفوق تكلفة تحلية المياه لنفس الكمية المطلوبة للزراعة، وذكر بعض المستثمرين الزراعيين أنهم جربوا الزراعة بمنطقة الفرافرة، ووجدوا بها نسبة من الرخام بما يجعلها غير مناسبة.

لكن وزيري الزراعة والري لم يلتفتا إلى تلك الإعتراضات، وقالوا للجنرال أنه يمكن زيادة المساحة المطلوب استصلاحها من مليون فدان إلى مليون ونصف المليون فدان، حيث قاموا بحصر مناطق سبق استصلاحها ولم يتم تقنين أوضاعها، ومناطق يجرى استصلاحها منذ فترة الرئيس مبارك بل ويعود بعضها لفترة الرئيس السادات، وهكذا تحولت الدعاية الرسمية للتحدث عن استصلاح 1.5 مليون فدان.
 
وتحول مناصرو النظام من خبراء الزراعة والري، إلى طلب دراسات الجدوى الخاصة بالمياه الجوفية، والدراسات الخاصة باقتصاديات الإستصلاح للمليون ونصف فدان، مؤكدين عدم القيام بها أصلا.

ومؤكدين أن زراعة محاصيل تقليدية كالقمح سيسبب خسائر للمنتفعين، خاصة أن زراعته بالوادي القديم ذو الري المجاني تخسر، فكيف يربح مع إضافة تكاليف استخراج المياه من الآبار العميقة.

لكن إعلان الجنرال للمشروع في مناسبات عديدة، وعدم تحقق ما بشر به المصريين من مشروعات استثمارية بعد المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، وإخفاق تفريعة قناة السويس عن زيادة إيراداتها كما وعد، جعله لا يلتفت لاعتراضات ونصائح الخبراء.

ومع مرور أكثر من عام على وعده باستصلاح المليون فدان، دون استصلاح فدان واحدا، وإخفاق وزارة الزراعة فى الإنجاز، كلف الجيش باستصلاح عشرة آلاف فدان كبداية بمنطقة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد.

وعندما اعتذر المستثمرون من القطاع الخاص عن المشاركة بالمشروع لمعرفتهم بمشاكله، تحدث الجنرال مع دول خليجية وأجنبية ومنظمات دولية للإسهام بالتمويل، خاصة مع العجز المزمن بالموازنة، إلا أن البنك الدولي رد بأن المشروع ليس له كيان قانوني، فاتجه لتحويل تبعيته من وزارة الزراعة إلى انشاء شركة خاصة به.

سميت شركة الريف المصري، لتقوم بالاستصلاح والتسويق والتوزيع لأراضيه، كشف مسؤول بهيئة الإستثمار المصرية في أبريل /نيسان من العام الحالي، عن عدم تقدمها  للتأسيس رسميا.
 
واستثمر الجنرال المشروع إعلاميا باصطحاب عدد من الوزراء والشباب، لموقع استصلاح العشرة آلاف فدان التي استصلحها الجيش، بمنطقة الفرافرة بنهاية ديسمبر كانون أول الماضي، ليعلن تدشين المشروع بعد مرور عام ونصف على إعلانه عنه، والذي كان من المفترض أن يكون قد تم منه مليون فدان.

ثم عاد ليستثمره مرة أخرى بعد أربعة أشهر، بالإعلان عن بدء موسم حصاد القمح بأراضى المشروع بالخامس من الشهر الحالي، رغم أن المساحة المنزرعة قمحا تبلغ 1500 فدان فقط، بينما تبلغ مساحة الأراضي المنزرعة قمحا بالبلاد 3 مليون و350 ألف فدان.

ورغم تحذير الخبراء من زراعة محاصيل تقليدية تحقق خسارة للمزاعين، وتأكيدهم على زراعة محاصيل تصديرية تعوض التكلفة المرتفعة للاستصلاح واستخراج المياه الجوفية، وعدم ظهور دراسات الجدوى الخاصة بالمشروع بعد، رغم البدء به.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل