سوف تحتاج القيادات الخليجية إلى قدر كبير من الدبلوماسية لتتجنب فتح الملفات الساخنة والعالقة مع الرئيس باراك أوباما خلال لقاءاتها به هذا الأسبوع. فهذه القمة الخليجية الأميركية هي قمة وداعية بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، الذي ينهي ولايته بعد تسعة أشهر، مما يعني أنه لم يعد مناسبا ولا مفيدا السعي من جانب دول الخليج إلى إحداث أي تغيير في سياسات هذه الإدارة التي أثرت سلبا على العلاقات التاريخية بين الجانبين، وخصوصا على عنصر الثقة الذي كان يحكم هذه العلاقات.
في كثير من الملفات المتصلة بأزمات المنطقة أثبتت إدارة أوباما أنها ليست شريكا صادقا ولا فاعلا. من الأزمة السورية إلى العلاقات مع إيران، إلى الحرب على التنظيمات الإرهابية، أظهرت هذه الإدارة عجزا فاضحا أخذت تغطّيه وتحاول تبريره بإلقاء الاتهامات على الآخرين. في سورية، أغرقت الشعب السوري في أكبر مأساة يواجهها في تاريخه الحديث، من خلال دعواتها المتكررة في البداية إلى سقوط النظام وتحديدها المواعيد لذلك، ثم تخلّيها الفاضح عن المعارضة، التي أخذ أوباما يتهكم على قادتها بقوله إنهم مجموعة من الأطباء والمهندسين والفلاحين، لن يسمح لهم النقص في خبراتهم القتالية بهزيمة النظام.
وفي قضية العلاقات مع طهران أظهر أوباما تجاهلا خطيرا لأهداف السياسة الإيرانية وأطماعها في المنطقة، على رغم تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنفسهم وسلوكهم المعادي ضد الدول المجاورة. ثم أخذ يدعو القادة السعوديين وقادة الدول الخليجية الأخرى إلى علاقات جيرة طيبة مع إيران وتقاسم المصالح معها. أما بالنسبة إلى مواجهة «داعش» وسواه من التنظيمات الإرهابية، فلم يتردد أوباما في تحميل الدول الخليجية مسؤولية الأفكار المتطرفة التي تتبناها هذه التنظيمات، على رغم أن هذه الدول هي في خط المواجهة الأول معها، مثلما هي في طليعة ضحايا نشاطاتها الإرهابية.
كل هذه الملفات وسواها أثرت في نوعية العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وأدت بقيادات هذه الدول إلى التشكيك في مدى التزام هذه الإدارة بالأمن الخليجي وإلى إعلان الخلافات معها حول رؤيتها إلى الأزمات التي تعصف بالمنطقة وأفضل السبل لمواجهتها.
كانت أصول الحنكة السياسية وآداب العلاقات بين الدول تقضي أن يتم نقل اتهامات أوباما أو ملاحظاته عبر القنوات التقليدية من خلال اللقاءات بين المسؤولين في البلدان المعنية والتي تخصص عادة للتعبير عن وجهات النظر بالقدر الذي تحتاجه من صراحة. فإذا كان الهدف من توجيه الانتقادات أو الملاحظات على سياسة دولة ما هو العمل على إحداث تغيير في هذه السياسة، فإن ذلك لا يتم بالتأكيد عن طريق التصريحات العلنية التي تصل إلى حد التشهير، فالطريق الأقصر والأكثر نجاحا لتحقيق ذلك يكون عادة بنقل وجهات النظر تلك بالوسائل التقليدية المتعارف عليها بين الدول.
أما اتهام أوباما للقادة الخليجيين، كما لحلفاء أميركا الأوروبيين، بأنهم يستفيدون مجانا من العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة، أو ما سماه free ride أي «الركوب المجاني»، فإن أفضل رد عليه أن الدول الحليفة للولايات المتحدة هي أكثر من يعاني من «الركوب المجاني» الأميركي، وأكثر من يواجه حرجا في الدفاع عن هذا الحلف مع دولة يصعب الدفاع عن سياساتها المنحازة وتبرير انقلاباتها المتكررة على حلفائها وأصدقائها.
أما الأكثر غرابة فهو أن يأتي الحديث عن هذا «الركوب المجاني» من رئيس الإدارة الأميركية الأكثر تخليا عن مسؤولياتها والتزاماتها، سواء في المنطقة العربية أو حيال خصومها التقليديين مثل روسيا والصين، اللتين تحققان المكاسب على حسابها.
باعتماد سبيل الدبلوماسية مع الرئيس الأميركي الذي يودع البيت الأبيض تكون قيادات الخليج قد سلكت طريقا آخر يختلف عن ذلك الذي سلكه أوباما عندما أخذ يطلق اتهاماته بحق هذه الدول وسياساتها الداخلية والخارجية، في تصريحاته وأحاديثه الصحافية، مثلما فعل في حديثه المطول إلى مجلة «أتلانتيك». كما أن سبيل الدبلوماسية يترك الباب مفتوحا أمام فرص قيام علاقات يمكن أن تكون أكثر توازنا في ظل الإدارة الأميركية المقبلة، بهدف حفظ مصالح الطرفين في المستقبل.