لماذا أعادت إسرائيل تيران وصنافير لمصر، وحاولت الاحتفاظ بطابا؟
في 25 من أبريل 1982 كتب مراسل النيويورك تايمز ديفيد شيبلر مقالة تحت عنوان "إسرائيل تستكمل الانسحاب، وتترك سيناء لمصر" يقول فيها: "لا تزال هناك خلافات في عدة نقاط على طول الحدود الجديدة، تقع أكثرها خطورة في طابا، جنوب إيلات، حيث تستمر إسرائيل في بناء فندق فخم. وقد تم اليوم وضع هذه المنطقة الساحلية (750 ياردة - 685 مترا تقريبا) والتي يطالب بها كل من الجانبين تحت ولاية قوة حفظ السلام متعددة الجنسيات، في انتظار المفاوضات وربما التحكيم. وانسحبت إسرائيل إلى الخط الذي تطالب به مصر، وتقدمت مصر إلى الخط الذي تطالب به إسرائيل. وسيواصل الإسرائيليين الدخول إلى المنطقة، وسيستكمل بناء الفندق".
لا زال بعضنا يذكر المعركة القانونية التي خاضتها كلا من مصر وإسرائيل في الفترة بين عامي 1986 و 1988لمحاولة إثبات ملكية هذا الشريط الساحلي الضيق.وثق هذه القضية الوطنية الدكتور يونان لبيب رزق في كتابه "طابا قضية العصر"، يصف الدكتور رزق موقف الدولتين فيقول: "كانت كل من الحكومتين في مصر وإسرائيل على استعداد للإنفاق على القضية مهما بلغت جسامة النفقات، بغض النظر عن أية اعتبارات متعلقة بالميزانية" ويتابع "ولا شك أن قيمة ما تم إنفاقه على النزاع جعل ثمن المتر المربع في هذه المساحة المتنازع عليها، والبالغة 1020 مترا مربعا باهظا في تلك البقعة من الصحراء، يتواضع إلى جانبه ثمن المتر المربع من الأرض في أرقى الأحياء في القاهرة أو في تل أبيب!"ثم يستكمل "وحتى هذه اللحظة يعتبر المسئولون في الخارجية المصرية أو الخارجية الإسرائيلية أرقام المبالغ التي تم إنفاقها على القضية من الأسرار التي ينبغي عدم إذاعتها، بيد أن طول فترة التقاضي التي ناهزت السنوات الثلاث، بالإضافة إلى سفريات الوفود، وما تقاضاه المحامون الأجانب و المحّكمون .. لابد أن كل هذا يشكل مبالغا طائلا"، طابا قضية العصر، الطبعة الأولى، (ص 10).
في يوم 25 ابريل 1982، الذي استمسكت فيه إسرائيل بساحل طابا الذي لا تزيد مساحته على 1020 مترا مربعا، وخاضت معركة قانونية طويلة ومكلفة من أجل هذا الشريط الساحلي الضيق وغير الاستراتيجي، أعادت إسرائيل لمصر، في اليوم نفسه، جزيرة تيران بمساحتها البالغة 80 كيلومترا مربعا، وجزيرة صنافير بمساحتها البالغة 33 كيلومترا مربعا، وبموقعهما الاستراتيجي الغير عادي المتحكم في خليج العقبة والممرات الملاحية المؤدية إلي مدينتي العقبة الأردنية وإيلات الإسرائيلية.
يقول الدكتور رزق: "و لعل من أكثر الأمور إثارة للدهشة في قضية طابا أن جميع أطرافها كانوا يعلمون أنها قضية سياسية قبل أن تكون خلافا قانونيا، و أن ما يحدث في هذه الشريحة الصغيرة من أرض شاطئ الخليج (يقصد خليج العقبة) إنما هو جزء من السياسة الإسرائيلية الرامية إلى تحقيق أحلام التوسع الإسرائيلي بنظام القضمة ..قضمة!" ص 16، ويتابع في مكان آخر: "وبينما كان المصريون يراهنون على الحقائق التاريخية والجغرافية والسياسية، فقد كان الإسرائيليون يراهنون على عجز المصريين عن إثبات هذه الحقائق" ص 19
فإذا ما صدقنا اكتشاف الحكومة المصرية الجديد والمفاجئ وإعلامها أن جزيرتا صنافير وتيران سعوديتان، فلماذا إذا انسحبت إسرائيل من الجزيرتين في حين حاولت بكل ما تملك الحفاظ على شريط ساحلي لا يمثل لها أية قيمة إستراتيجية، الم يكن أكثر أهمية بل وأسهل على المفاوض والقانوني الإسرائيلي أن يحاول الاحتفاظ بالجزيرتين ويفاوض المملكة العربية السعودية عليهما أن كانتا من أملاكها حقا؟ فيحقق من ذلك هدفين لم يكن ليحلم بهما، أولا التحكم في خليج العقبة رئة إسرائيل الوحيدة على البحر الأحمر والدخول في معاهدة سلام مع المملكة أن أرادت المملكة استرداد الجزيرتان؟
ولماذا يحاول الإبقاء على السيطرة على طابا وهو يعلم حسب ما قاله الدكتور رزق "أنها قضية سياسية" وان رهان المفاوض الإسرائيلي هو على عجز المصريين على إثبات حقيقة ملكية طابا، فيكون ذروة أمانيه أن تحكم المحكمة ببقاء الحال على ما هو علية من السيطرة الإسرائيلية، في حين أن الجزيرتان الأكثر إستراتيجية في البحر الأحمر ليستا مصريتان حسب ما اكتشفته حكومة السيسي؟
لست متخصصا قانونيا أو تاريخيا لأفصل في الادعاء أن الجزيرتان الأكثر أهمية إستراتيجية على مجمل سواحل مصر تنتمي لمصر أو للسعودية الشقيقة، ولكني اعتقد أن التاريخ القريب قد تكرم علينا بالدليل الاستنتاجي الذي يثبت أن الجزيرتان مصريتان، أما من يدعي غير ذلك فعليه أن يسلك الطريق الذي سلكه المفاوض المصري والمفاوض الإسرائيلي للوصول إلي الحقيقية في قضية طابا التي لا ترقى في أهميتها، مساحة وإستراتيجية لأهمية الجزيرتين، طريق التحكيم الدولي، ولكن يجب أن نصبر قليلا حتى يحكم مصر من يستطيع أن يدافع عن ترابها، من يعي أهميتها ويحترم شعبها وتاريخها ولا يشك، هو نفسه، في أحقيته بحكم مصر فيبحث عن شرعية خارج الحدود.