قضايا وآراء

عزل جنينة ولوبي الفساد في مصر

أشرف دوابه
1300x600
1300x600
خرج علينا رئيس الوزراء المصري ببيان الحكومة الذي ألقاه في مجلس النواب في السابع والعشرين من آذار/ مارس الماضي ليعلن فيه أنه لن يتهاون مع الفساد وسيعمل مع مجلس النواب والأجهزة الرقابية لمكافحة الفساد. وفي اليوم التالي، وقبل منتصف الليل بدقائق معدودات، صدر قرارا جمهوريا من عبد الفتاح السيسي بإعفاء المستشار هشام جنينة، من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، وتعيين نائبه هشام بدوي بدلا منه، الذي لم يتوان هذا الأخير في ممارسة عمله في الثانية صباحا، مفتشا عما تركه جنينة في مكتبه، مانعا في الصباح هيئة مكتب جنينة من الدخول إلى مكاتبهم. وامتد الأمر بالنظام إلى فرض الإقامة الجبرية على جنينة في منزله.

لقد جاءت الفرصة للسيسي للتخلص من جنينة عند إعلان الأخير عن تقدير تكلفة الفساد بمصر مابين عامي 2012-2015 بنحو 600 مليار دولار، بناء على دراسة أعدها الجهاز المركزي للمحاسبات من قبل 14 إدارة بالجهاز وفقا لطلب من وزير التخطيط، أشرف العربي، الذي حرص على إنجاز تلك الدراسة قبل موعد اليوم العالمي لمكافحة الفساد في9 كانون الأول/ ديسمبر. وأرسلت الدراسة إلى كل من رئاسة الجمهورية ووزير التخطيط.

وقد سئل المستشار جنينة من قبل الصحافيين عن تلك الدراسة، فبين ما وصلت إليه، ولكن صحيفة "اليوم السابع" نشرت رقم الفساد منسوبا للعام 2015 وحده، بينما نشرت مجلة "روز اليوسف" الرقم وفق حقيقته ممثلا للأعوام الأربعة الأخيرة. وبعدها تحركت الأذرع الإعلامية للسيسي مرددة ما ورد في "اليوم السابع" دون غيره، ومهاجمة جنينة بصورة ملحوظة، وبناء على ذلك، شكل السيسي لجنة لتقصي الحقائق من وزارات العدل، والتخطيط، والمالية، والداخلية، برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية هشام بدوي، نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات- السيئ السمعة إبان ممارسته عمله في النيابة والقضاء- الذي عينه السيسي في الجهاز ليناكف رئيسه، وبذلك خالف السيسي كافة الأعراف والقوانين بتشكيل لجنة بها جهات تنفيذية للرقابة على جهة رقابية، بل إن هذه الجهة الرقابية كشفت في تقاريرها جوانب متعددة للفساد المتفشي في دواليب عمل تلك الجهات التنفيذية، لاسيما وزارات العدل والداخلية والمالية.

وخلال أسبوعين فقط أصدرت لجنة السيسي تقريرها، وقد جاء التقرير فاقدا للموضوعية، فامتدت اللجنة بسيف النقد للمستشار جنينة، واتهمته بالتضليل، وتضخيم حجم الفساد، وفقدان المصداقية، والإغفال المتعمد، وإساءة توظيف الأرقام والسياسات، وإساءة استخدام كلمة الفساد، كل هذا رغم أن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أعد بمعرفة لجنة من الجهاز وليس من صنع المستشار جنينة، كما أن أولى البديهيات إرسال تقرير لجنة السيسي للجهاز المركزي للمحاسبات لإبداء الرأي فيما ورد فيه من ملاحظات، ولكنها أرسلت التقرير للسيسي الذي أوصى بإرسال التقرير إلى رئيس مجلس النواب الذي بادر أعضاءه بالمطالبة باستجواب جنينة، ولكن المجلس تراجع في ظل إعلان المستشار جنينة الرد على ما ورد بتقرير لجنة السيسي -الذي نشرته الصحف- بعد الاحتفال بذكرى ثورة 25 يناير حتى لا يُتهم بتأجيج الشعب ضد النظام القائم، والتحريض على التظاهر. وقد وصلت معلومات لأجهزة الدولة السيادية حول تجهيز المستشار جنينة لعقد مؤتمر صحفي ضخم داخل الجهاز يدعو فيه وسائل الإعلام المصرية والدولية للإعلان عن وقائع الفساد، فجاء قرار استباقي للنائب العام في العشرين من يناير/ كانون الثاني 2016 لقطع الطريق أمام عقد هذا المؤتمر حتى لا ينكشف المستور أمام الشعب الذي له الحق أن يعرف نتيجة تقارير الهيئات المستقلة بنص المادة 201 من الدستور الانقلابي الذي صنعوه من العجوة ثم أكلوه.

ثم جاءت الرحلة الأخيرة بطلب نيابة أمن الدولة مثول المستشار جنينة أمامها للتحقيق عن تكلفة الفساد، بل وادعائها الغريب أن تصريحات جنينة غير منضبطة، بل والأعجب ادعاؤها بأن الجهاز المركزي للمحاسبات غير معني بتحديد الفساد. ثم صدر بعد ذلك قرار السيسي بعزله بطريقة عسكرية امتهانية لا تليق بمكانة هذا المنصب وقيمته، فضلا عن أنها المرة الأولى من نوعها التي تحدث في تاريخ الجهاز. كما أن المدة القانونية الأولى البالغة أربع سنوات للمستشار جنينة كانت ستنتهي في أيلول/ سبتمبر المقبل، وأصر السيسي على سرعة عزله مخالفا بذلك للقانون الخاص للجهاز المركزي للمحاسبات الذي لا يعطي هذا الحق للسيسي، والقانون الخاص بطبيعته يقيد القانون العام الذي أصدره السيسي في تموز/ يوليو 2015 ليتيح له حق إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية.

وكل هذا يعكس مدى تغلغل الفساد والمفسدين في النظام الانقلابي وإدارته بصورة منظمة ممنهجة، وخوف لوبي الفساد من أي طريق للإصلاح. والفساد نتيجة حتمية للاستبداد الذي يحميه ويتغذى عليه، وهو نهج النظام في مصر الذي لم يكفه الفساد في الإدارة فتحول لإدارة الفساد المنظم.

وهو بعزل جنينة يرسل رسالة لكل مستثمر أن الفساد هو الأصل، ورسالة لكل موظف يعمل في الأجهزة الرقابية أنه إذا وجدت فسادا فغطي عليه وإلا سيكون مصيرك كمصير جنينة.
0
التعليقات (0)