في الحادي والعشرين من شهر يوليو من عام 1997، رفضت الشاعرة الأمريكية المعروفة (أدريان ريتشن) قبول الوسام القومي للفنون الذي قدمه لها –آنذاك- الرئيس الأمريكي كلينتون، وبعثت الشاعرة برسالة "غاضبة" للرئيس الأمريكي، أعلنت رفضها قبول أعلى وسام في الدولة لـ"تدهور الديموقراطية وتراجعها في الولايات المتحدة"، وجاء في خطابها "إنني لست ضد الحكومة بشكل عام، ولكنني ضد الحكومة التي تستحوذ فيها القلة على السلطة".
وأضافت: "إن المعنى العميق للفن لا يتفق مع السياسة الساخرة التي تتبعها هذه الإدارة".. وتناولت اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في أمريكا، وأكدت أن الفن يفقد مغزاه ومعناه إذا أصبح مجرّد أداة لتزيين مائدة السلطة التي تسيطر عليها. وبعد عشرين عاما، من خروج الصحفي المصري الشهير محمد حسنين هيكل من الأهرام بسنوات قليلة، سأله صديق له: هل تشعر بالحزن لفقدك هذا المنصب الكبير والقريب من دائرة النفوذ والسلطة؟! فردّ عليه هيكل بقوله: "تستطيع السلطة أن تمنحك مكانا، ولكنها لا تستطيع أن تمنحك مكانة".
وأردف قائلا: "والفرق بين المكان والمكانة أن المكان بطبيعته مؤقت، كما أن الذي يمنحك المكان يستطيع أن يسترده منك في أية لحظة.. أما المكانة فأنت الذي تصنعها لنفسك في قلوب و ذاكرة الناس من خلال تقديرهم واحترامهم لعملك أو لموقفك في الحياة؛ فالمكان زائل وأما المكانة فلا تزول".
ومنذ ما يزيد عن 16 عاما، رفض الروائي الإسباني (خوان جويتسولو) جائزة القذافي لـ"حقوق الإنسان" ـ وقيمتها (150) ألف يورو ـ وذلك لما وصفه بـ"سلطوية" النظام الليبي.. فيما قبلها "التنويري" الماركسي المصري الشهير جابر عصفور، في احتفالية "رسمية" صاخبة!
وفي مطلع إبريل من عام 1997 رفض (جريجوري بيرلمان) وهو عالم رياضيات روسي استلام مليون دولار "جائزة" خصصها معهد "كلاي للرياضيات" الحكومي الأمريكي لـ"أذكى رجل في العالم" مكافأة له على حل أصعب مسألة رياضية في العالم، نشرها المعهد على الإنترنت وقد قام (جريجوري) بحلها.
صحيفة (ديلي ميل) الإنجليزية نقلت عن (جريجوري) قوله: "أنا غير مهتم بالمال أو الشهرة، ولا أريد أن أكون كحيوان يُعرض في حديقة حيوانات"!! الصحيفة البريطانية نقلت أيضا عن (فيرا بيتروفنا) الساكن بجوار جريجوري قوله: "كنت في شقته ذات مرة، وقد ذهلت حيث إنّها لا تحتوي سوى على طاولة وكرسي وسرير ذي فراش (قذر) تركها أصحاب الشقة السابقون، بالإضافة إلى أننا نحاول أنّ نتخلص من الصراصير الموجودة في الحي، ولكنها تهرب لتختبئ في شقته".
يبقى أن نشير هنا -وبحسب (ديلي ميل) البريطانية- إلى أن المسألة التي حلها (جريجوري) ظلت لغزا رياضيا حيّر العلماء لمدة قرن، حيث يساعد على تحديد شكل الكون.
أهدي هذه النماذج إلى "المثقفين" العرب، وقد بات "الإنعام الرسمي" عليهم في صورة "جوائز" ظاهرة مقلقة إلى حد كبير؛ إذ تظل-شئنا أم أبينا- من قبيل الاختراق المالي الرسمي لأوساط النخبة وصنّاع الرأي، ولا تخلو من شبهة "شراء الذمم"، والتواطؤ مع السياسات العامة المعادية لحقوق الإنسان العربي.