منذ حواره مع توماس فريدمان على "نيويورك تايمز" نيسان (أبريل) الماضي، حتى مقدمات حواره المطول مع جيفري جولدبيرج على مجلة "ذا أتلانتيك"، تمهيدا لنشره في نيسان (أبريل) المقبل، أظهر الرئيس الأمريكي أوباما لغة أكثر وضوحا في الدفاع عن سياساته، وشرح حيثياتها، ولما قدم كـ "عقيدة أوباما" في السياسة الخارجية. ولمن قرأ خطابه العاطفي في مصر عام 2009، الموجه إلى العالم الإسلامي بعد أشهر قليلة من دخوله البيت الأبيض، يرى أن سياسات أوباما هي نفسها.
ربما تبدو أيضا واضحة أكثر بعد نيله جائزة نوبل للسلام، بعد تسعة أشهر من ذلك. وبطبيعة الحال لم تكن "نوبل" مكافأة لإنجازات أوباما بل تشجيعا على جهوده في الحوار مع أعداء أمريكا، وكما لو كانت مقدمة لسياسات قادمة. أوباما الذي حاول تبني عقيدة تغليب مصالح الداخل على الدور الأمريكي خارج الجغرافيا الأمريكية، أو على السياسات الخارجية، كما يقول. وقد أبرزت أحداث ما سُمِّي الربيع العربي والتطورات الإقليمية فيما بعد توجهات إدارته، إلا أنها في مجملها تبدو ردة فعل، تلخصها قراراته تجاه المنطقة أكثر منها أفعالا مباشرة.
وبالفعل، نفذ أوباما سياسات تغليب الدبلوماسية على التدخل العسكري في أغلب القرارات، ومن بين ذلك تحييد أو فلنسمِّها سياسة اللا موقف، أو الموقف الغامض المتردد الذي لا يلائم دور الولايات المتحدة التاريخي ومصالحها في المنطقة.
بعد أشهر، يغادر أوباما البيت الأبيض بتركة مختلفة عن تركة سابقيه. وبطبيعة الحال قلة هم الرؤساء الأمريكيون الذين واجهوا اختبارات حاسمة ومفصلية في السياسة الخارجية كما حدث لأوباما. إلا أن براجماتية أوباما بقيت رهينة بمدى إدراكه حقيقة الشرق الأوسط، وأبعاد أحداثه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية أيضا على المنطقة والعالم.
فكما أن القرارات الخاطئة هي سياسات خاطئة قاتلة، فسياسة اللا سياسة هي سياسات قاتلة أيضا في هذا الواقع المعقد. تداعيات سياسة أوباما على ما يسمَّون الحلفاء التقليديين، تبدو في ظاهرها تخليا، بينما قد تكون من وجهة نظر أخرى ذات عواقب جيدة على المديين المتوسط والطويل. بدا ذلك صريحا في حديثه للصحافي جولدبيرج، حين قال "إن على السعودية أن تشارك النفوذ في الشرق الأوسط مع إيران في صورة سلام بارد".
في المقابل، وعلى العكس، هناك حسنات قد تقطف ثمارها لاحقا السعودية والمنطقة من هذه السياسات السلبية، فالسعودية هي الرابح الأكبر من سياسة أوباما الضعيفة في المنطقة. الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة مكن المملكة من اتخاذ عدة إجراءات استراتيجية لم يكن لأي لاعب آخر القيام بها.
السعودية اتخذت حزمة من القرارات غير المسبوقة في تاريخها، منها التدخل عسكريا في اليمن لإعادة الشرعية والتصدي للمشروع الإيراني، ودعم المقاومة السورية، وتشكيلها أول تحالف إسلامي من 34 دولة لمحاربة الإرهاب، واستعادة علاقاتها الثنائية بالعراق، وإرسال أول سفير لها في بغداد منذ 25 عاما.
كما شملت هذه التوجهات المتلاحقة الأحداث رصف العلاقة بين المملكة وروسيا والصين اقتصاديا وسياسيا. كل ذلك يشير إلى أن ما حدث من سياسات الإدارة الأمريكية المنتهية تسبب بشكل إيجابي في تأسيس قوة ردع ذاتية، ولكل تحديات ثمار يمكن قطفها لاحقا، بالنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس.
عن صحيفة الاقتصادية السعودية