ليس لي اطلاع حول إن كانت أية دولة عربية أخرى قد تقدمت بمرشح لها لهذا المنصب " اللقطة " , بعد أن اعتذر المغرب عن استضافة الدورة الحالية , و انتقالها حسب الترتيب الأبجدي لدولة موريطانيا الشقيقة , و بعد اعتذار أمينها الحالي نبيل العربي عن تمديد فترتة , انبرت مصر الشقيقة لترشيح الوزير السابق أحمد أبو الغيط , فهبت معظم الدول العربية لمباركة الرجل و الترشيح , و كأن هذه الدول تريد أن تتخلص من هذه الهيئة و من مشاكلها و أعبائها , لكن الأمر لا يخلو من روح النكتة و الطرفة حول تاريخ و جغرافيا و فلسفة الجامعة منذ نشأتها , و هذه الصورة الكاريكاتورية خير معبر عن الحالة التي آلت إليها هذة المنظمة , فلا أحد يراهن أو يطمح أو يجد في نفسه مقدرة لإعادة تأهيل أو هيكلة هذه المؤسسة , تماما كما توضح الصورة , حيث أن سيارة أو "عربية خربانة "حتى لو تم إصلاح أعطابها و تركيب إطاراتها و شحن محركها و تعيين سائق لها , فلن يضمن أحد من العرب الشركاء في هذه " العربية الخربانة " وجهتها بعد كل هذه الإصلاحات , فالمرشح الجديد لم يتحفظ عليه أحد , و لم ينافسه أحد , و كان الصمت علامة الرضا , لكن الجامعة العربية بغض النظر عن من يرأس أمانتها العامة , أو من يستضيف قممها الدورية أو الطارئة , فهي سوف تظل موسسة للتندر و الفكاهة و الضحك على مآسي الشعوب العربية , و خصوصا القضية الفلسطينية , فلقد كانت قممها دليل الهوان و الوهن الذي أصاب الأمة العربية , فكلما كان الكيان الصهيوني يدك البيوت على رؤوس أهلنا في فلسطين , كانت القمم تكاد تكون في تواطئ مخز و مخجل , بل كانت الدول الأعضاء تجد الوقت للتراشقات الكلامية الفارغة , ثم تخرج ببيانات شجب و تنديد بصيغ تتشابه من سنة إلى أخرى , إن هذه الجامعة أثبتت عدم فاعليتها و من ثم لا حاجة لاستمراريتها , و قد تبين ذلك عند احتلال الكويت من قبل العراق , و عند غزو أمريكا للعراق , و عند الهجمات المتكررة ضد الإسلام و المسلمين و الهوية العربية و الإسلامية بعد " فرية " الحادي عشر من سبتمبر ألفين و واحد , و مؤخرا خلال الربيع العربي الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير , فتعرت و تكشفت هذه الهيئة , و اتضح دورها الرئيسي و هو قمع الشعوب العربية , و كتم حريات التعبير , و التضييق على المعارضات الوطنية الحقيقية و ملاحقتها بين الأقطار العربية و الغربية , فسقطت عنها ورقة التوت أمام الشعوب العربية , ففقدت مصداقيتها و بالتالي علة استمراريتها , فبعد انتفاضة الشعوب في ثورات شعبية , تمكنت هذه الجامعة من التلاعب بأحلام الشباب و المواطنين البسطاء و السطو على ثوراتهم بأخرى مضادة , لكن هذه الجامعة تصرفت بصبيانية و ارتجالية شديدتي الخطورة , لأنها بوقوفها إلى جانب الطغاة من الحكام العرب , ساهمت في تصدع النسيج الاجتماعي في كل الدول العربية , و خلق حزازات طائفية و دينيية وسياسية , بل تسببت بعملها هذا في مواجهات مسلحة بين مواطني الدولة الواحدة , مما خلق انقسامات خطيرة في صفوف المجتمعات و القبائل و العشائر , مما أوصل الوضع إلى انقسامات على الأرض و على الخرائط و الحدود , فحدود سايسبيكو أصبحت حدودا مؤقتة , بل تم الشروع في التقسيمات الفعلية في ليبيا و سوريا و الحبل لا زال على الجرار , إن جامعة الدول العربية منظمة دخيلة و ضالعة في تقسيم المقسم , و عندما اعتذر المغرب عن استضافة الدورة الحالية كان محقا في قراره , لأن الدول العربية أصبحت متفرقة و مشتتة بين تحالفات منفردة و تعاهدات سياسية و عسكرية , جعلت من المستحيل بل من أبعد المستحيلات التوصل إلى اتفاق أو توافق حول هدف مشترك و لو كان بديهيا كالقضية الفلسطينية , فدولة المقر لهذه الهيئة , اتخذت بوصلة جديدة تماما في تحالفاتها مما يجعل الدول العربية أبعد ما تكون لاتخاذ أي قرار مشترك , بل أكثر من ذلك , فبعض التحالفات الصغيرة بين قطر و السعودية و تركيا من أجل كبح المد الفارسي و فرض الاستقرار على الأقل في دول مجلس التعاون الخليجي , أصبح يحارب من دول عضوة بل مؤسسة لجامعة الدول العربية , مما يضرب أي مشروع عسكري مشترك في مقتل .
و كمواطن عربي أقترح حل جامعة الدول العربية فورا و بدون تأخير , لأنها أصبحت معولا لهدم ما تبقى من قواسم مشتركة تجمع الشعوب و الدول العربية , كما أقترح تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي , و إعادة هيكلتها , و جعل مقره في قطر , و انتخاب أمينه العام من الشعوب العربية و الإسلامية مباشرة و بدون تدخل قادة الدول في اختيار المرشحين , آن للأمة العربية و الإسلامية أن تقرر لنفسها بنفسها في قضاياها المصيرية العابرة للحدود القطرية , ما دامت الحدود الحالية آيلة للسقوط و الزوال , و هذه الخطوة سوف تفتح آفاقا للشعوب لإخراجها من عفن و ترهل و سلبية الحسابات السياسية المحلية الضيقة .