مقالات مختارة

مستقبل الأحزاب الكبيرة في الغرب

ماجد الأنصاري
1300x600
1300x600
كما هو الحال مع معظم المختصين في العلوم السياسية أتابع هذه الأيام عن قرب الانتخابات التمهيدية الأميركية والتي تسبق الانتخابات الرئاسية بهدف تحديد مرشحي الحزبين الرئيسيين، هذه الانتخابات التمهيدية مثيرة لممتهني العلوم السياسية ليس لموقع الولايات المتحدة عالميا وحسب، ولكن لاعتبارات جديرة بالدراسة متعلقة بطبيعة المرشحين والنتائج الصادرة عنها، فمن المتوقع أن تفرز هذه الانتخابات من الجهة الديمقراطية أول مرشحة حزب للرئاسة في التاريخ. 

ومن الناحية الجمهورية، فإن فاز ترامب فسيكون أول مرشح من دون أي منصب سياسي سابق، وإن فاز كروز فسيكون أول مرشح من أصل لاتيني، وكوبي تحديدا، ولكن بعيدا عن ذلك فإن كثافة التصويت لصالح شخصية جدلية مثل ترامب جمهوريا وتقدم شخصية بعيدة عن مركز قوة الحزب مثل ساندرس ديمقراطيا في الاستطلاعات فتح الباب على مصراعيه حول التساؤل عن مستقبل الأحزاب التقليدية في الغرب.

الحالة الأميركية جاءت متوافقة مع الوضع في أوروبا ففي بريطانيا يترأس حزب العمال اليوم جيرمي كورن وهو سياسي بعيد من مراكز القوة في الحزب بل وكان يعتبر هامشيا بالنسبة للعمال، وحزب الديمقراطيين الأحرار الشريك السابق في الحكومة أصبح على وشك الانهيار بعد أن كان ركيزة من ركائز الحياة البرلمانية البريطانية، أحزاب اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية تحقق أرقاما لم يسبق لها تحقيقها واليسار المتطرف وجد له صوتا كذلك.

ولنتعرف على سيناريوهات المستقبل لهذه الأحزاب نبدأ بأكبر الديمقراطيات الغربية، الولايات المتحدة، الحزب الجمهوري والذي يسميه مناصروه «الحزب القديم العظيم» يواجه اليوم خطر الانقسام، أعضاء الحزب وقيادته يرفضون في المجمل ترشح ترامب عن حزبهم، بل إن بعض القيادات التاريخية للحزب مثل رومني مرشح الرئاسة السابق أعلنوا صراحة أنهم لن يدعموا ترامب حتى لو فاز بترشيح الحزب، في مواجهتهم تقف القواعد الشعبية للحزب، هم يجدون في ترامب بديلا للمرشحين التقليديين للحزب الذين يعتبرون أنهم لم يقدموا جديدا ولا يعبرون عما يريدونه. 

حالة الانقسام هذه تنذر بانشقاقات في الحزب قد تهوي به، أو على الأقل تقسمه إلى حزبين يمثل أحدهما السياسة التقليدية للحزب ويمثل الآخر قواعد الشعبية وما يرمز له بالسياسات «الشعبوية» المحافظة، وهي التي تدعو لخفض كبير في الضرائب والتضييق على الهجرة وخفض الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية والهيمنة الفيدرالية، ومع صعود كروز في مواجهة ترامب والإنفاق الكبير على الحملة المعادية للمرشح الجدلي يتوقع العديد من الجمهوريين الوصول إلى مؤتمر منقسم للحزب، وهو أمر لا يحدث عادة، ففي العادة لا يصل الحزب إلى مؤتمره إلا وقد أفرزت الانتخابات التمهيدية عن مرشح واحد، اليوم ربما يضطر الحزب إلى عقد تصويت فعلي بجولتين أو أكثر تحت قبة المؤتمر وهنا يسهل على قيادة الحزب التأثير لصالح مرشحهم، وهنا يتوقع الكثير من المراقبين ثورة من قواعد الحزب، باختصار سواء فاز ترامب أو خسر الحزب الجمهوري يواجه شبح الانقسام.

الأزمة الاقتصادية في دول مثل اليونان دفعت ببعض الأحزاب الكبيرة إلى خسارة أغلبيتها لصالح أحزاب جديدة، ولكن هذه الأحزاب وجدت نفسها أمام أزمة يصعب على أي حزب أن يتعامل معها؛ ولذلك لا يتوقع أن تستمر هذه الأحزاب طويلا، وفي بريطانيا أفضت حالة الانزعاج في القواعد العمالية من حزب العمال الجديد والذي انتقل إلى الوسط السياسي بعد أن كان حزبا يساريا إلى انتخاب كوربن اليساري العتيد ولا يلوح في الأفق سيناريو إيجابي للحزب، ففي حال صمد كوربن في رئاسة الحزب تشير أغلب الاستطلاعات إلى أن إمكانية فوز حزبه بالأغلبية البرلمانية ضعيفة جدا، وفي حال نجحت قيادة الحزب التقليدية في التخلص منه فهي أمام معركة مع قواعد الحزب التي لم يعد لديها ثقة بتلك القيادات، المحافظون في المقابل يعيشون عصرا ذهبيا جديدا مع حزب متماسك عزز وجوده البرلماني، ولكن الأحزاب التي يطول بها العهد في رئاسة الوزراء تتعرض هي الأخرى لأزمة، المحافظون بعد أكثر من عقد تحت تاتشر انهاروا انهيارا مدويا، العمال بعد بلير كذلك، فقد تجد القوى التقليدية نفسها في حالة من الوهن التماثل مع الانتخابات القادمة أو بعدها بفترة.

الأحزاب الكبرى غربيا تدفع اليوم ثمن تحولها إلى نسخ من بعضها في تسعينيات القرن الماضي، ظلت هذه الأحزاب تلعب في مساحة الوسط لفترة طويلة حتى أصبحت الفروق بينهم في السياسات محدودة نسبيا، واليوم الناخبون الذين عصفت بهم الأزمات الاقتصادية يتجهون للأطراف بحثا عن بديل سياسي يكسر حالة الجمود، كما أن ما يسمى بالصوت الساخط، وهو الذي يتجه لأي مرشح من خارج مراكز القوة السياسية مرشح للتصاعد، الأحزاب التقليدية الغربية أمامها اليوم طريقان: إما الصمود في وجه العاصفة وخسارة السلطة لفترة لصالح أحزاب ناشئة أو منقسمة عن أحزابهم، أو الانهيار الكلي وتحول الأنظمة ذات الحزبين إلى أنظمة تعددية.

عن صحيفة العرب القطرية

0
التعليقات (0)