تجارب سلبية عاشها المصريون مع التبرع للجهات الحكومية عبر العقود الماضية، مما أفقدهم الثقة في التبرع لجهات حكومية، في الوقت الذي وثقوا فيه في جهات أهلية، فأغدقوا تبرعاتهم عليها.
خلال انسحاب الإسرائليين من سيناء قاموا بتدمير مستعمرة ياميت، فقامت مؤسسة الأهرام الصحفية بتنظيم حملة تبرعات لإقامة مدينة بالمكان نفسه تحت مسمى أرض الفيروز، وأقبل المصريون على التبرع، ومنذ ذلك الحين لا يعرف أحد مصير تلك التبرعات.
ومع الغزو السوفيتي لأفغانستان، شجعت الدولة الناس على التبرع لأفغانستان بالمال والملابس وغيرها، ليعرفوا بعد ذلك أنه لم يتم إرسال تلك التبرعات إلى أفغانستان.
وخلال الحرب على غزة أواخر عهد الرئيس مبارك، تعاطف المصريون مع أهالي غزة، فتبرعوا بالغذاء والأدوية وغيرها، ليعرفوا بعد ذلك أن تلك التبرعات الغذائية ظلت باستاد مدينة العريش بالعراء حتى فسدت.
ومع إنشاء مكتبة الإسكندرية تمت حملة ضخمة محليا ودوليا للتبرع لمكتبة الإسكندرية، ليتم جمع 145 مليون دولار ظلت تحت تصرف حرم الرئيس مبارك.
ويمثل التبرع المالي والعيني أحد الروافد الهامة للعمل الأهلي بمصر، والذي ترتب عليه بناء العديد من المستشفيات والمدارس، وكفالة آلاف الأسر الفقيرة وتزويج الفتيات اليتيمات، ومساعدة الطلاب على إكمال تعليمهم، وهناك نماذج جمعيات عديدة حازت الثقة.
ومع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 تعددت حملات التبرع، ومنها دعوة وزير المالية سمير رضوان التبرع لدعم الدولة تحت مسمى صندوق يناير، والذي تمكن فقط من جمع 40 مليون جنيه.
وعقب انقلاب الجيش في تموز/ يوليو 2013، تم الإعلان عن صندوق دعم مصر تحت عنوان 306306، وهو رقم الحساب المصرفي بكافة البنوك الذي يتلقى التبرعات، ليبدأ تلقي التبرعات بعد أربعة أيام فقط من الانقلاب، وبعد حوالي العام بلغت التبرعات للصندوق حوالي مليار جنيه، منها 300 مليون جنيه من الجيش، و300 مليون جنيه من رجال أعمال.
وفي بداية تموز/ يوليو 2014، دعا رأس النظام المصري لإنشاء صندوق تحت مسمى تحيا مصر، على أن يتم دمج صندوق دعم مصر به، ودعا رجال الأعمال مرات عديدة للتبرع للصندوق الذي استهدف بلوغ حصيلته 100 مليار جنيه، بعد تبرع الجيش بمليار جنيه.
وظلت حصيلة الصندوق غير معروفة حتى أعلن رأس النظام في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير، أي بعد 20 شهرا، أنها 4 مليارات و700 مليون جنيه، ولأن الرقم متضمن مليار جنيه تبرع بها الجيش، ومليارين ونصف المليار حولها آل ساويس للصندوق، وهي المبالغ التي كانوا قد دفعوها للضرائب في عهد الرئيس مرسي كدفعة من مستحقات عليهم.
وبإضافة ممتلكات صندوق دعم مصر البالغة حوالي مليار جنيه، يتبقى أقل من 3 مليارات جنيه لتبرعات رجال الأعمال الجمهور، رغم الحملات الرسمية التي نجم عنها دفع بنوك وشركات وجهات حكومية ومحافظات وجامعات، للتبرع للصندوق واستقطاع مبالغ من مرتبات العاملين بها.
وتعد تلك الحصيلة بمثابة استفتاء شعبي على مدى الثقة بمؤسس الصندوق، كما تبين عدم تنفيذ رجال الأعمال وملاك الفضائيات ما وعدوا به من تبرعات، رغم تأكيد مؤسس الصندوق في أكثر من مناسبة لهم بقوله "ها تدفعوا يعني ها تدفعوا".
وبعد أن كان يطلب مبالغ كبيرة للصندوق، تحول لطلب مبالغ صغيرة تصل للجنيه الواحد عبر إرسال رسالة بالتليفون المحول يخصص حصيلتها للصندوق، وهو أمر تم تنفيذه منذ نهاية حزيران/ يونيو الماضي، إلا أن الاستجابة وخلال الأيام الثلاثة التالية لخطابه بلغت مليونين ونصف المليون من الجنيهات فقط.
وأكد أداء صندوق "تحيا مصر" الضعيف خلال العشرين شهرا، توجسات المصريين ومنها مشروع لتطوير منطقة العسال العشوائية بالقاهرة، ببناء 63 بيتا فقط لإقامة 402 أسرة، وبتمويل من اتحاد البنوك المصرية.
ومشروع لسداد ديون الغارمات المحبوسات بالسجون، بضمان 20 ألف غارمة فقط بتكلفة 21 مليون جنيه، يشارك معه بها جمعية مصر الخير.
كذلك مشروع لتمليك ألف تاكسي بالمحافظات، بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، وما زال المشروع في طور التجهيز، كذلك مشروعه لعلاج فيروس "سي" يقوم على جمع تبرعات لإقامة مركزين للعلاج ببورسعيد في مقر تبرعت به شركة "بويات"، ومقر بالأقصر، ومازال المركزان تحت التجهيز.
كذلك مشروع إنشاء وحدات سكنية بمنطقة الأسمرات بالقاهرة بمساحة 65 مترا للوحدة، مازال تحت الإنشاء، وهي في مجملها مشروعات لا تتسق مع الدعاية الضخمة للصندوق.