«حزب الله» مسألة. مسألة ليست هي تماما نفسها إنْ نظر إليها في سياقها اللبناني، أو في دائرتها العربية، أو في بعدها الدولي.
وهي مسألة مستعصية طالما ظلّ الرهان على حل هذه المسألة لبنانيا فقط، أو عربيا فقط، أو دوليا فقط. لكن الاستعصاء سيخفّض درجة، وتصبح مسألة «عويصة» فحسب إذا ما جرى البحث عن نهج يربط بين الأبعاد الثلاثة، اللبناني والإقليمي - العربي والدولي لهذه المسألة.
فـ «حزب الله» في إشكاله اللبناني، هو تنظيم تعبوي مسلّح له قاعدة جماهيرية موالية له، وهو تنظيم يلتزم بالطاعة الحديدية داخله، وبالتكليف الشرعي كرابط بين قيادته وجهازه الأمني التعبوي وبين قاعدته ومناصريه، وهو تنظيم أعفى نفسه، بل أعفته الوصاية السورية، من حل المليشيات - أحد أسس اتفاق الطائف. وبالتالي أعفى نفسه من نهاية الحرب الأهلية، ويجسد من ثم استمرارها، ولو من جانب أساسي واحد. وهو الحزب الذي يقود بالنتيجة منذ انسحاب الجيش السوري مشروعا تغلّبيا مذهبيا، مؤدلجا، يجد في نظام الملالي الإيراني صورته المشتهاة ومادته التطبيقية.
هو في الوقت نفسه حزب تصدّر مشهدية تحرير الجنوب، الذي سوّغ باسمها إعفاء نفسه من التوافق الوطني على حل المليشيات، وكان تمكّن قبل ذلك من إلغاء المقاومة الوطنية، ومن تقويض نفوذ حركة «أمل» في الضاحية، والجنوب، والبقاع. حصّل في التسعينيات نوعا من التفاف وطني حول كفاحه جنوبا، لكنه اعتبر نفسه في حلّ من أي منطق دولتي بعد التحرير، وفي حلّ من أي إجماع وطني، ومصادرا قرار الحرب والسلم، وفي عملية تحايل مفضوحة على ماهية الدستور نفسها، حين يشترط التوافقية المطلقة حينما يرتئي ذلك، أو يكتفي بقراره هو حين يريد ذلك.
لكن الحزب لو كان فقط مجرد حزب تدعمه وتموّله إيران كي يقود مشروع هيمنة لطائفته على بقية اللبنانيين، ويبني نظاما مواليا لإيران في لبنان، لكانت مشكلته قابلة للحل في سياقها اللبناني فحسب، وكان في أسوأ الحالات سيستولي على السلطة ويطرح تجربته ويتكفل الواقع بامتصاصها تدريجيا.
لكن الحزب يتجاوز الحسبة المحلية، لا يمكن فهمه إلا بتشبيهه بـ«سرايا المقاومة» التي تتبع له ويسلّطها على مناطق معروفة بمناهضته. هو بمنزلة «سرايا المقاومة» حيال «الحرس الثوري الإيراني». هو الفرع العربي من الحرس، وفرع حيوي جدا؛ لأن السياسات الإيرانية تجاه معظم البلدان العربية تتقاطع مع دور ما لـ«حزب الله».
لبنانيا، سلاحه أعفى نفسه من نهاية الحرب الأهلية، وواصلها على طريقته. عربيا هو شبكة عابرة للعواصم والبلدان.
حتى الساعة، ظلت محاولات مقاربته لبنانيا منفصلة عن التشكّي منه عربيا، والعكس صحيح. التطورات الأخيرة، والقرارات السعودية الواضحة الاتجاه، يفترض بها على العكس من هذا؛ أن تفتح الطريق للمواءمة بين النضالات اللبنانية ضد تغلبية «حزب الله» والتزامه خطط إيران وبين السياسات العربية، لأن حل مشكلة «حزب الله» تكون لبنانية، عربية، دولية، في وقت واحد، أو لا تقدم في اتجاه الحل.