باتت فكرة التدخل العسكري التركي في سوريا مطروحة بقوة في الأروقة السياسية والعسكرية، وحتى في تعليقات الصحف ووسائل الإعلام التركية الأخرى مع حديث جدّي صريح وعلني للرئيس رجب طيب أردوغان الخميس10 شباط/ فبراير- مفاده أن صبر بلاده تجاه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الروسي وأعوانه أخذ في النفاد، وأن الطائرات والسفن الحربية التركية لا تنتظر أو تستعد سدى أو عبثا.
في الحقيقة ثمة دوافع وحيثيات وأسباب راسخة وصلبة لفكرة التدخل العسكري مع موانع وعراقيل جدّية أيضا، وحتى خطيرة ما يستلزم حسابات دقيقة وعميقة، بينما باتت الاحتمالات معقولة وواقعية جدا في ضوء الخيار الشيشاني الذي تتبعه روسيا على الحدود التركية –السورية، وفي فضاء مركزي من الفضاءات الجيوبوليتكية الحيوية للدولة التركية.
الدافع الأساس للتدخل إذا ما حصل يتمثل أساسا بالدفاع عن المصالح القومية الحيوية لأنقرة مع تجليات أو جوانب استراتيجية سياسية وأمنية، وفي التفاصيل تفهم السلطات التركية الهمجية الروسية أو الخيار الشيشاني على الأرض تحديدا في ريفي اللاذقية وحلب، باعتباره يهدف وبشكل ممنهج إلى إنهاء أو تحجيم النفوذ التركي في المشرق بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص ما يستلزم ردا بحجم المؤامرة أو الخطة التي باتت فظة علنية وواضحة.
في السياق نفسه يتم الحديث عن ضرورة إبقاء الصلة أو الممر التركي تجاه حلب والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة والمجموعات العسكرية الحليفة، أو المدعومة من تركيا ومنع سحقها من قبل الاحتلال الروسي والميليشيات التابعة له، بما في ذلك بقايا قوات النظام التي باتت الأقل تأثيرا في المعركة الحاصلة حاليا في ضوء هيمنة الروس على الجو وإيران وميليشياتها متعددي الأعراق والألوان على الأرض.
طبعا، من الدوافع أو الحيثيات الجدية المطروحة في سياق تأييد فكرة التدخل منع ميليشيات الحماية الشعبية الكردية "بي كا كا" السورية، المتواطئة مع الاحتلال الروسي وبقايا النظام من إقامة كيان كردي متصل على الحدود لا يقطع فقط التواصل التركي مع سوريا، وإنما يشجع بعض أكراد تركيا على المضي قدما في الخيار الانفصالي الانتحاري والذين دفعوا مقابله ثمنا، بل أثمانا باهظة في ظل إصرار الدولة التركية على إفشاله والقضاء عليه، وبكل الوسائل المتاحة والمشروعة طبعا، وبالتأكيد ليس على الطريقة الروسية.
في السياق السابق نفسه يتم الحديث عن إقامة منطقة آمنة خالية من داعش، ومحمية تركيا، وربما أوروبيا ودوليا لحماية اللاجئين، ومساعدتهم وإيواءهم داخل الأراضي السورية نفسها مع تأييد لافت ومفاجئ للفكرة من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لمنع تدفق اللاجئين إلى أوروبا، ولعدم تحمل أنقرة أعباء فوق طاقتها في ظل الاستراتيجية الهمجية المتبعة من النظام، ومن ثم الاحتلال الروسي في سياق تحديث دموي لقاعدة "الأسد أو نحرق سوريا" التي توسعت لتصبح الأسد أو نحرق المنطقة وحتى العالم.
في مواجهة الدعوات أو الأفكار الداعمة للتدخل، ثمة موانع وعراقيل وأطراف داخلية وخارجية تتحفظ أو حتى ترفض فكرة التدخل جملة وتفصيلا.
داخليا يجري الحديث عن تحاشي خلق أي توتر أو الدخول في صراع عسكري قد يرتد سلبا على الوضع الاقتصادي المزدهر، ونسبة النمو المرتفعة نسبيا كما تدفق السياح ورؤوس الأموال الأجنبية إلى البلد.
كذلك ثمة خشية من إمكانية الغرق في حرب استنزاف في سوريا، واحتمال البقاء هناك لمدة طويلة، إضافة إلى وجود معارضة سياسية وإعلامية، وحتى شعبية للفكرة. ناهيك عن التسريبات عن عدم حماس قيادة الجيش للأمر وإصرارها على التدخل وفق قرار دولي من مجلس الأمن أو تحت مظلّة دولية واضحة وراسخة وجدية من حلف الناتو أو من ائتلاف دولي واسع أمريكي أوروبي عربي.
أما الموانع الخارجية فتتمثل بالبرود الأمريكي، ورغبة إدارة أوباما في تمرير أو تمضية الوقت الذي بقي لها بسلام دون إزعاج وبما لا يرتد سلبا على حظوظ المرشح الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية المقررة تشرين ثاني/ نوفمبر من العام الجاري.
في السياق الأمريكي لابد من الإشارة إلى الجبن أو التردد والخشية من الصدام مع موسكو وطهران في سوريا بما يتناقض مع فكرة الانكفاء للرئيس باراك أوباما، وصولا إلى الخشية حتى من أن يؤدي أي تدخل تركي محتمل إلى احتمال اندلاع حرب عالمية، تتورط بها واشنطن رغما عنها على الأراضي السورية، كما هدد رئيس الوزراء الروسي علنا، وهو التهديد الذي يبدو أنه يجد صدى ملموسا في واشنطن وبدرجة أقل في بروكسل والعواصم المهمة في دول الاتحاد الأوروبي.
من هنا ستسعى الحكومة التركية إذا ما حسمت أمرها بالتدخل، إلى محاولة إقناع الأطراف الداخلية المؤثرة وتحديدا حزب الحركة القومية اليميني المنفتح أصلا على الفكرة، وربما حتى التيار القومي اليساري في حزب الشعب الجمهوري بما يسمح بإقناع الجيش بوجود إجماع وطني صلب ومتماسك، ومن ثم خلق بيئة أو مظلة شعبية راسخة لقرار التدخل المحتمل عبر حملة سياسية وإعلامية مكثفة، وتقديم الأمر باعتباره حيوي وضروري للأمن القومي كما للمصالح الاستراتيجية الحيوية للبلد.
خارجيا، ستسعى أو تبحث أنقرة عن حماية إطار أو مظلة عربية للتدخل بقرار من الجامعة العربية، وطبعا بتعاون وتنسيق وثيق مع الرياض والدوحة، وربما أيضا عبر وجود قوات عربية وإسلامية تحت غطاء أو لافتة التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وهو الخيار الأنسب خاصة أن العمل مع الرياض سيوفر غطاء عربيا إسلاميا راسخ وربما يجبر واشنطن على تقديم التغطية السياسية اللازمة، وحتى الدعم الأمني والعسكري اللازم عند الضرورة، ما يضمن إيقاف الروس ومنعهم من التهور أو المغامرة وبالتالي احتفاظ القوات المتدخلة بمناطق نفوذ محمية جويا على طول الحدود التركية السورية.
ربما يتم العمل أيضا بحلّ وسط يتمثل بتدخل قوات خاصة عربية وإسلامية-محدودة العدد- تدعم قوى المعارضة السورية ضد داعش وتحميها في نفس الوقت من هجمات روسيا وحلفائها.
في الأخير تبقى كل الاحتمالات مفتوحة بما في ذلك التدخل التركي العربي الإسلامي المشترك والفوري أو حتى التدخل التركي الأحادي لفرض أمر واقع جديد على الأرض وللدفاع عن المصالح التركية الحيوية، وربما يجري التنسيق الوثيق مع السعودية والانتظار إلى آذار أو نيسان للتدخل الجماعي بعد اتضاح فشل العملية السياسية، وربما يجري الاكتفاء بتقديم دعم عسكري نوعي للمعارضة بجهد تركي سعودي قطري -وهو ما بدأ فعلا بشحنات من صواريخ غراد والتاو المضادة للدبابات، مع تفكير جدّي بتقديم صواريخ ستينغر مضادة للطائرات -لمساعدتها على الصمود إلى حين إنضاج الظروف المناسبة أمام التدخل العربي الإسلامي، الذي بات حتميا في ظل المتغيرات التي تحاول موسكو فرضها بالقوة، وبسياسة الأرض المحروقة التي ستقضي بالضرورة على أي فرص للحل السلمي العادل والدائم وفق بيان جنيف نصا وروحا.
كاتب فلسطيني - رئيس تحرير نشرة المشهد التركي الإلكترونية