كم هو رائعٌ ذلك الاستقبال الشعبي الحاشد للمنتخب الفلسطيني لكرة القدم في مطار هواري بومدين.. مئاتُ الجزائريين يردّدون هتافات "فلسطين الشهداء" لتدوّي عالية في أرجاء المطار وتؤكد مدى تعلقهم بقضيّتهم الأولى، ولا عجب في ذلك: أليسوا من أصلاب المجاهدين والشهداء الذين قهروا الاستعمار الفرنسي بعد قرن وثلث قرن وأعطوا بذلك الأمل للفلسطينيين بالتحرّر مهما طال الزمن؟
هذه الهتافاتُ المؤثرة أصبحت بمنزلة "نشيد" ثوري جديد يردِّده الجزائريون منذ سنوات في الملاعب الجزائرية، وقد رددوه خلال مباراة أم درمان الشهيرة في نوفمبر 2009، وعلى مدرّجات الملاعب البرازيلية وشوارعها وحتى شواطئها، وهم الآن يتغنّون به بعفوية وحرارة كبيرتين في مختلف الملاعب الجزائرية خلال مباريات البطولة. والمفارقة أن هذا "النشيد" قد وحّد مناصري المولودية واتحاد الجزائر منذ أسابيع؛ فقد ردد كل طرف في البداية هتافات مُناوئة للآخر، كما جرت العادة بينهما، ولكن ما إن شرع بعضُهم في ترديد "فلسطين الشهداء" حتى نسي الجميعُ خلافاتهم وغنّوا هذا "النشيد" معا!
لكننا نطمع أن توحّد فلسطين العربَ كلهم وتعيدهم إلى الاهتمام بهذه القضية المركزية، وهم الذين انشغلوا عنها تماما بمختلف الصراعات والفتن والحروب التي تنخر المنطقة، حتى نسوا الاحتلال الصهيوني ولم يعودوا يكترثون بالقمع اليومي للفلسطينيين، وبتهويد المقدّسات، والتدنيس اليومي للأقصى وبتقويض أساساته استعدادا؛ لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
المسألة إذن لا تتعلق بهتافات وشعارات، ولا بظاهرةٍ صوتية تكتفي بتأييد الفلسطينيين بالكلام، بل تتعلق ببداية العودة إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي غابت طويلا، بل غُيّبت عمدا في وسائل الإعلام العربية، التي أصبحت لا تتحدّث عن فلسطين إلا لِماما وفي ذيل النشرات، أو حتى ضمن "المختصرات"؛ لأن الحكام العرب لم يعودوا يهتمّون بهذه القضية ولابدّ أن يتساوق معهم إعلامُ الدعاية والتخدير والإلهاء والفجور، فيسكت عنها بدوره حتى لا يُحرجهم بصور بنات صغيرات يُقبلن على الشهادة بقلوب ثابتة، بعد أن يقُمن بطعن جنود صهاينة ببسالة أسطورية، فيكشف عارَ هؤلاء الحكام وخذلانهم لفلسطين.
في البداية إذن كانت "باب الواد الشهداء" التي ظهرت خلال قمع أحداث 5 أكتوبر 1988، ثم ظهر للجزائريين أن الفلسطينيين أولى بها منهم إزاء ما يقدّمونه من تضحيات جسيمة؛ للدفاع عن قبلة المسلمين الأولى نيابة عن 1.6 مسلم لاه أو مخدَّر أو غير مكترث، فحوّلوها إلى "فلسطين الشهداء" وقدّموها هديّة متواضعة لإخوانهم المضطهَدين والمقاوِمين، فتحيّة لكل مناصر ينسى للحظات أنه بطّالٌ منذ سنوات، أو أن عائلته تعاني شظف العيش أو ضيق السكن، وغيرها من الأزمات المعيشية الخانقة، ويردد هذا "النشيد" الجديد عاليا مدوّيا؛ فاليوم نصرةٌ باللسان والقلب، وذلك أضعف الإيمان، وغدا بإذن الله مسيرة تحرير مظفرة إلى القدس، ضمن جيش عربي مسلم كبير بعد أن تتغيّر الظروف وتزول العوائق التي وضعها حكامُ العار والانبطاح، ألم يكن أجدادُهم منذ قرون رأس الحربة في جيش صلاح الدين الأيوبي، وساهموا مع باقي الجيش في تحرير القدس فكافأهم بمنحهم أملاكا ناحية "باب المغاربة"؟