نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا حول الأوضاع التي يعيشها سكان
حلب، بين
حصار قوات النظام السوري وقصف الطائرات الروسية، ونقلت روايات لشهود عيان حول معاناة سكان المدينة والأساليب التي يعتمدونها للصمود.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الجزء الشرقي من مدينة حلب الذي تسيطر عليه المعارضة السورية، أصبح يتعرض لوابل لا يتوقف من الصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة، التي لا تفرق بين عسكريين ومدنيين.
ونقلت الصحيفة عن أحد أبناء المدينة، وهو عبد الحميد البكري، قوله: "في كل مرة نسمع صوت غارة جوية تحدث ردود الفعل ذاتها، حيث يهرع الناس في كل الاتجاهات بين ركام المنازل ودخان الانفجارات، ثم تأتي سيارات الإسعاف، وبعد وقت قصير ينصرف الجميع إلى شؤونهم الخاصة، كأن شيئا لم يكن؛ إذ إن هذه الانفجارات أصبحت روتينا يوميا في حلب".
وذكرت الصحيفة أن هذا الجزء من مدينة حلب، الذي تسيطر عليه المعارضة منذ سنة 2012، وتحاول قوات النظام السيطرة عليه بأي طريقة، بالاستعانة بدعم جوي مكثف من الطائرات الروسية، مهدد بأن يتعرض لحصار خانق قد يدوم لفترة طويلة.
وتتعرض هذه المنطقة في الوقت الحالي إلى أمطار من الصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة، ولم يبق فيها إلا 200 ألف نسمة، بعد أن كانوا نحو مليوني نسمة قبل ثلاث سنوات؛ حيث فر أغلبهم خوفا من بطش وانتقام النظام السوري، بعد أن فقد السيطرة على المنطقة.
وذكرت الصحيفة أنه منذ أن نجح النظام في الأسبوع الماضي في قطع طريق الإمدادات الحيوية الرابطة بين شمال المدينة والحدود التركية، ارتفعت أسعار المواد الأولية بطريقة جنونية.
ويقول عبد الحميد البكري: "نحن كنا نعاني من غياب الكهرباء منذ أربعة أشهر، والآن أصبحنا مهددين بنفاد الوقود، الذي نعتمد عليه لتشغيل المولدات الكهربائية من أجل المخابز والمستشفيات".
كما أشار عبد الحميد البكري إلى أن الحملة الجوية الأخيرة ضد مدينة حلب اتسمت بشدة
القصف ودقة الضربات الجوية. وفي بعض الأوقات، كانت هناك عشر طائرات روسية تحلق في سماء حلب في الوقت ذاته. وبعكس طائرات النظام السوري التي تقوم برمي البراميل المتفجرة بشكل عشوائي، فإن الطائرات الروسية تصوب بدقة كبيرة، وهي تصيب الأحياء السكنية والمدنيين بشكل مباشر.
وأشارت الصحيفة إلى أن رجال الدفاع المدني المعروفين باسم "القبعات البيضاء"، المتطوعين للتدخل في مناطق الانفجارات في حلب، أصبحوا في حالة ارتباك وإرهاق بسبب كثرة الأضرار.
ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن منير، وهو أحد رجال القبعات البيضاء، قوله: "في الليلة الماضية لم أنم غير أربع ساعات؛ بسبب كثرة الحالات المستعجلة".
وأضافت الصحيفة أن هذا الرجل البالغ من العمر 34 سنة، الذي كان يعمل سابقا مع وحدة الإطفاء، أصبح يقضي كامل وقته بين المواقع التي تتعرض للقصف، التي تكون غالبا بنايات سكنية أو مساجد أو مراكز طبية أو مدارس، حيث إن قصف الطائرات الروسية لا يستثني أي مبنى، ويقوم بتخريب ممنهج للبنية التحتية في المدينة.
وذكرت الصحيفة أن الصور التي انتشرت حول الأوضاع في حلب، تشير إلى أن هذه المدينة التي كانت سابقا العاصمة الاقتصادية لسوريا، تغير شكلها تماما؛ بسبب الدمار الذي لحقها؛ حيث انتشر الركام في كل مكان، وخيمت عليها مناظر المنازل المهدمة والأشجار المقتلعة والسيارات المحطمة. أما الأضرار البشرية، فلا يمكن حصرها.
ويقول منير في هذا السياق: "لا يمكنكم تخيل عدد الجثث التي نعثر عليها، ويكون من بينها غالبا نساء وأطفال نقوم باستخراجهم من تحت الأنقاض".
كما أشارت الصحيفة إلى أن منيرا وبقية المتطوعين معرضون بدورهم إلى خطر كبير، حيث إن مهنتهم تتطلب التدخل السريع، ولكن في بعض الأحيان تقوم الطائرات بقصف المكان ذاته بعد وقت قصير، ما يعني أن حياتهم معرضة للخطر في أي لحظة. وحول هذا الخطر يقول منير: "لقد خسرت عددا من أعز زملائي بهذه الطريقة، ويوم الاثنين الماضي تعرض اثنان من المتطوعين معنا إلى جروح بليغة في شمال حلب، أحدهما أصيب في رأسه، وهو الآن في حالة حرجة".
كما نقلت الصحيفة عن منير تأكيده أنه رأى حالات وإصابات مروعة أثناء عمله؛ حيث إن انفجار القذائف وانهيار المباني يلحق أضرار وألما بالمواطنين، وأغلب الإصابات التي تأتي للمستشفيات الميدانية أصبحت تتمثل في كسور الجمجمة وتفتت في عظام اليدين والساقين، وإصابات أخرى تستوجب بتر الأعضاء، بعد أن كانت أغلب الإصابات في الماضي تتمثل في حروق بليغة؛ بسبب اشتعال النيران وانفجارات البراميل المتفجرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الطواقم الطبية في حلب التجأت إلى تركيز بعض المراكز الطبية في ملاجئ تحت الأرض، هربا من قصف الطائرات الروسية، ولحماية الجرحى أثناء فترة تلقيهم للعلاج. وفي هذا السياق، يقول الدكتور عبد العزيز: "إن الأطباء عاجزون عن مجاراة الوضع، ونحن نعاني من نقص في الإطار الطبي، فمدينة حلب التي يوجد فيها أكثر من سبعة مستشفيات، لم يبق فيها اليوم إلا طبيبان مبنجان وطبيبان للأطفال، أما البقية فقد خيروا مغادرة البلاد".
كما ذكرت الصحيفة أن القصف المتواصل وفظاعة الهجمات دفعت بالسكان لابتكار طرق جديدة للبقاء على قيد الحياة. وفي هذا السياق، يقول الدكتور عبد العزيز: "لقد قمنا بإعادة دهن سيارات الإسعاف بألوان أخرى، حتى لا يتم استهدافها من قبل الطائرات الروسية".
ويضيف هذا الجراح المنحدر من مدينة حلب: "ولكن الخطر يأتي أيضا من البر، وليس فقط من الجو، حيث إنه إذا تم قطع آخر المنافذ التي تصل منها الإمدادات لمدينة حلب في غرب المدينة، فإن المستشفيات والمدنيين هم من سيدفعون الثمن؛ حيث إن المستشفيات -على سبيل المثال- تمتلك مخزونا لا يكفي لأكثر من شهر، وبعد مرور هذه الفترة سوف تحدث كارثة إنسانية".