مقالات مختارة

الحرب الدافئة

ماجد الأنصاري
1300x600
1300x600
انتقل العالم سريعا من حالة القطب الواحد إلى الحرب الباردة بين قطبين، واليوم يبدو أن الحرب الباردة تزداد دفئا في اتجاه حرب «ساخنة» شاملة، أو على الأقل هكذا يبدو المشهد مع السلوك الإيراني الروسي المتعجرف في سوريا والحالة الأميركية المترددة في المنطقة، نذكر هنا أن الأحداث التي أدت إلى الحربين العالميتين السابقتين بدأت في مناطق محدودة ثم توسعت، مقتل ولي عهد النمسا في البوسنة، واحتلال هتلر للممر البولندي، أحداث في حينها كانت تبدو هامشية، ولكنها تطورت سريعا حتى بات العالم في قبضة حرب لم تنجُ منها إلى قليل من أطرافه، فهل نحن اليوم في طريق سريع نحو الحرب العالمية الثالثة؟

استشراف المستقبل ليس مهمة سهلة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المتقلبة حو العالم في زماننا هذا؛ لذلك لا بد من الحذر في إطلاق تعميمات حول ما يمكن أن يحصل، ومع ذلك في الاعتبار نبدأ بتقييم احتمالية نشوب حرب عالمية جديدة، في البداية نحتاج إلى تقييم الأطراف المحتملة في هذه الحرب، لا شك أننا نتحدث عن طرفين رئيسيين هما الولايات المتحدة وروسيا، ولكن ذلك لا يصنع حربا عالمية، فلا بد من وجود تحالفات على جانبي الميدان، بالنسبة للولايات المتحدة ففي صفها بدرجات مختلفة من الاصطفاف الاتحاد الأوروبي ومعه بقية حلفاء الناتو والعالم العربي بمجمله، أما روسيا فهي تحتفظ بإيران حتى اللحظة شريكا، بالإضافة لبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة التي ما زالت تربطها علاقات اقتصادية وسياسية بروسيا، الصين وحلفاؤها مثل الهند يجدون أنفسهم في مساحة وسط متأرجحة، فرغم أن الصين تبدو أقرب إلى روسيا منها إلى الولايات المتحدة فإن الصين تحافظ دائما على مسافة أمان من المشاريع الروسية التوسعية، كما أن الاقتصاد الصيني الذي يرتبط بشكل وثيق بالاقتصاد الأميركي يشكل عائقا أمام تحالف صيني روسي عسكري ضد الغرب.

حلفاء الولايات المتحدة تاريخيا كانوا أكثر تماسكا ويتضح ذلك في حروب البوسنة وكوسوفو والعراق الأولى والثانية وأفغانستان، في كل تلك الحروب تمكنت الولايات المتحدة من تنظيم صفوف حلفائها والمضي بهم في تحقيق مصالحها الاستراتيجية، على النقيض لم يسبق لروسيا بوتن أن نجحت في تحريك حلفائها في مغامراتها العسكرية فحتى حليفها الإيراني نجح في جرها نحو مغامراته، بينما لم يساهم بشكل حقيقي في أي من النزاعات التي خاضتها روسيا مثل أوكرانيا وجورجيا، وتشكل الأنباء حول تحالف موسع بمشاركة أميركية في روسيا دليلا على أن تركيبة التحالف الأميركي ما زالت متماسكة رغم الانسحاب الأميركي من الساحة وهذا أمر سيتعين على خصوم الولايات المتحدة التفكير به مليا قبل رفع وتيرة النزاع معها.

وعلى مستوى الأحداث فاليوم تقع بؤرة الصراع في سوريا، وتتحرك القوات هناك بالقرب من بعضها وذلك مرشح للتصاعد خلال الأيام القادمة ولكن على المستوى السياسي فهناك تحرك من نوع آخر، الولايات المتحدة تضغط على المعارضة السورية إلى حد تضييق الخناق على المعونات العسكرية الواردة إليها كل ذلك حتى تقبل بحل مقنع للطرف الروسي، وفي الأيام القليلة الماضية أمضى هنري كسنجر، الدبلوماسي الأميركي العتيد، أياما عدة في موسكو والتقى ببوتن، هذا طبعا بعد أن نشر مقالا يوضح فيه رؤيته لعالم متعدد الأقطاب تكون روسيا طرفا أساسيا في تقرير مصيره، ويرى مراقبون أن كسنجر هو المبعوث غير الرسمي لكيري وفريق الدبلوماسية الأميركي باعتبار دوره الفعال في خفض وتيرة التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي، روسيا من طرفها تلمح لاستعدادها للتفاوض حول مختلف الملفات والتصريح الذي تداولته وكالات الأنباء مؤخرا حول استعداد روسيا للتنسيق مع دول أوبك دلالة على أن الروس وإن كانوا مستمرين في العمل العسكري في سوريا إلا أنهم حريصون على إبقاء خطوط الاتصال قائمة.

على المستوى الداخلي لكل من الولايات المتحدة وروسيا هناك ظروف لا بد من الوقوف على تأثيرها على الصراع بين الطرفين، بالنسبة للولايات المتحدة 2016 هي سنة انتخابات والرئيس أوباما الذي ما زال يبحث عن ترسيخ إرثه قبل نهاية عهده غير مستعد لأن يترك الولايات المتحدة في حالة حرب؛ ولذلك يقدم التنازل وراء التنازل لصالح روسيا كما أن أي رئيس قادم سيكون أمامه فترة لا بأس بها يصعب من خلالها أن يقوم بعمل عسكري كبير خاصة في مواجهة روسيا، في روسيا هناك أزمة اقتصادية خانقة مع انخفاض أسعار النفط وتكاليف الصراع في سوريا، هذه التكاليف ستتمكن روسيا من تحملها لفترة ولكن تصاعد النزاع إلى نزاع شامل مع الغرب هو أمر لا يمكن للحكومة الروسية تحمله وسيؤدي إلى انهيار سريع للاقتصاد الروسي، الأمر الذي يفهمه الروس ولذلك فهم اليوم يستغلون الحالة الأميركية لصالحهم ولكنهم على ما يبدو لا يخططون لتوسيع دائرة الخلاف.

خلاصة القول هي أن احتمالية أن تنشب حرب شاملة تنطلق من الأراضي السورية ضعيفة إلى حد كبير، ولكن حتى حين، ما أعنيه هو أن الصراع لا يستبعد أن ينتج عنه نزاع عسكري واسع النطاق ولكن ليس خلال هذه الفترة ولا بناء على المعطيات الحالية، ربما يبدو أن العالم ليس بعيدا عن حرب عالمية ثالثة ولكنه ليس على أعتابها، اليوم نعيش ظروف الحرب الدافئة.

عن صحيفة العرب القطرية
0
التعليقات (0)