مقالات مختارة

انهيار سعر النفط: مكيدة سياسية إلى متى؟

أحمد القديدي
1300x600
1300x600
يوم 12 يناير الجاري كتب عالم الاقتصاد الأمريكي ومساعد وزير الخزانة الأمريكي الأسبق في إدارة الرئيس ريجن السيد "بول جريج روبرتس" PAUL CRAIG ROBERTS، دراسة قيمة وشديدة القسوة على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية حين تفرض القانون الأمريكي الوطني على الدول الأخرى وحتى الحليفة، فتقوم بتأميم الاقتصاد العالمي وحتى السياسات العالمية لخدمة مصالحها تحت شعار (كونية القانون الأمريكي، أو مبدأ تطبيق القوانين الأمريكية خارج الحدود)، أي أن قوانين الولايات المتحدة تصبح هي المعوضة للقانون الدولي المنصوص عليه أساسا في ميثاق منظمة الأمم المتحدة.

ويضرب السيد "روبرتس" أمثلة تغريم مصرف وطني فرنسي بمليارات الدولارات لأنه خرق قرار حظر التعامل مع إيران. ومن هذا المنظور الجريء سنحاول تحليل أسباب استمرار انهيار أسعار برميل النفط، وهي كما سيدرك القارئ الكريم أسباب سياسية وجغراستراتيجية أكثر منها اقتصادية أو ذات أبعاد متعلقة بالطاقة. فبعد بصيص الأمل لشهر أبريل 2015 حين تجمد سعر البرميل وأعطى للدول المنتجة وللشركات المستغلة بعض الرجاء في انعكاس مؤشر الأسعار نحو الارتفاع جدت أحداث خيبت آمالهم، وعادت الأسعار إلى مجراها النازل حتى بلغنا مستوى قياسيا للاثنتي عشرة سنة الماضية. وهذه الأحداث هي:

1- ارتفاع نسق إنتاج النفط في الولايات المتحدة بصورة غير مسبوقة والتحاق كل الدول المنتجة بهذا الارتفاع برفض مبدأ تخفيض الإنتاج (حاليا 30 مليون برميل يوميا)، وذلك بالتزامن مع انخفاض مؤشر النمو في الصين، حيث نزل مؤشر أسواق المال في شنجهاي يوم 24 أغسطس 2015 مثلا بنسبة 8%، وصحب هذا السقوط انهيار تدريجي في القدرة الصناعية والتصديرية للإنتاج الصيني وهو الأدنى منذ 6 سنوات، وإلى جانب هشاشة العملاق الصيني (وهو الخصم الأول للاقتصاد الأمريكي وبعده روسيا بالطبع) جاء إفلاس اليونان والتهديد بالتخلي عن اليورو، تلك العملة القوية المنافسة للدولار، وتمكن ضعف المؤسسة النقدية الأوروبية بالتوازي مع تفاقم أزمة الهجرات القادمة من الشرق الأوسط منذ الصيف الماضي، حيث بلغت أعداد المهجرين من سوريا وإفريقيا إلى سواحل وحدود الدول الأوروبية المليون، وبالطبع بقاء الولايات المتحدة بعيدة عن هذه المصائب. فكان مبدأ السعر الأدنى للنفط هو الذي يصنع الواقع الجديد لاستراتيجيات لعبة الأمم من أجل تيسير عملية إعادة رسم خريطة العالم كله على أسس جديدة طارئة.

2- في الصيف الماضي نفسه تم توقيع الاتفاقية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول الست (أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا إضافة إلى روسيا والصين) يوم 14 يوليو 2015، وتم إقرار رفع العقوبات المفروضة عليها، بل وبالنظر إلى حاجة السياسة الأمريكية إلى دور إيراني في الشرق الأوسط المعقد تم التخلي عن شيطنة النظام الإيراني، بل وحتى تسهيل عودة إيران إلى ثوابت الشاهنشاهية القديمة، وتم ضخ النفط الإيراني من جديد في السوق العالمية (مليون برميل إضافي يوميا)، مما جعل الأسعار تواصل مسيرة التراجع مع انحسار الطلب الصيني على الطاقة.

3- في دوامة هذه العمليات ذات الطابع السياسي المحض للتحكم الحقيقي في أسعار الطاقة، قامت الخزينة الأمريكية بفرض ارتفاع قيمة الدولار -العملة الخضراء- أمام (يووان الصين) الذي شهد ثلاثة تخفيضات متتالية في قيمته خلال سنتي 2014 و2015 وأمام (اليورو الأوروبي) عصفت به رياح السياسة بإفلاس اليونان وهزال الاقتصادات الإسبانية والبرتغالية والإيطالية، وردة فعل العملاق الصناعي الألماني الرافض لتحمل أعباء الدول الأوروبية الحليفة والضعيفة، وكذلك رياح العدوان الإرهابي على فرنسا، واجتياح مليون مهاجر للدول الأوروبية، مما اضطر هذه الدول إلى التخلي عن معاهدة (شنجن) أي عودة الحدود الوطنية وإلغاء الهوية الأوروبية الموحدة تدريجيا. 

هذه خفايا المنزلق الخطير الذي تنجر إليه أسعار النفط، وهي كما لاحظتم ذات أبعاد سياسية نتج عنها انحسار الاستثمار من قبل الشركات البترولية الكبرى مثل (إكسن موبيل) و(بريتيش بتروليوم) و(توتال) و(رويال دوتش شيل) وتكبدها انهيارات مختلفة في توقعاتها وأرباحها (من 20 إلى 30%).
 
ويؤكد الخبراء أن العجز سيمس أسواق المال جميعا، والعوامل التي ذكرناها تجتمع لمزيد من انخفاض سعر البرميل، لأن أسبابها الموضوعية متواصلة وهي: الاحتفاظ بإنتاج مرتفع، وتفاقم أزمة الصين، وعودة النفط الإيراني للأسواق، وارتفاع قيمة الدولار.

والحل؟! هل يكفي أن تنسق الدول المنتجة قراراتها بالتخفيض من إنتاجها؟ الجواب هو: لا. فالحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيا لأن المعضلة سياسية! فهل العرب (وهم من أكبر المنتجين) مثلا مستعدون للتوافق؟ هذا هو السؤال وأنا أطرحه عليكم للتفكير.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)