كتاب عربي 21

لا تعلنوا الحداد.. بل أعلنوا الاتحاد

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
عنوان المقال كان من بين شعارات تعددت في صياغاتها واتفقت تقريبا في مضمونها أطلقها نشطاء وحتى مواطنون عاديون على صفحات متنوعة في مواقع التواصل الاجتماعي تحث الأطراف المتنازعة في ليبيا إلى الاتحاد لمجابهة الخطر الذي بات جليا أنه كبير بعد التفجير الذي أودى بحياة ما يزيد على ستين مواطنا وإصابة نحو ضعف هذا العدد في مدينة زليتن شرق العاصمة طرابلس.

تنظيم الدولة الذي توعد المؤتمر وحكومة الإنقاذ والقوة العسكرية الضاربة في المنطقة الغربية والتي ارتكازها مدينة مصراتة توعدهم بمواجهة التفجيرات والمفخخات والانغماسيين منذ أيام قلائل، ويبدو أنه أراد الرد السريع بعد الخسارة التي مني بها في هجومه الأخير على ميناء "السدرة" حيث كان للطائرات التي انطلقت من الكلية الجوية بمصراتة دور فيها، وهو يدرك صعوبة الوصول إلى مصراتة لتنفيذ عملية من الحجم الكبير، فكانت زليتن.

التنظيم أراد السرعة في الرد والوحشية في العمل، لهذا كانت الفرصة مواتية في زليتن، وقد حقق التفجير ما أراد التنظيم من حيث سرعة الرد والإثخان فيه دون أن يدرك أنه بمثل هذه الأعمال يدك مسامير في نعشه، لأنه ببساطة يوجه بوصلة الليبيين إليه كخطر داهم وعدو أكبر.

ينبغي أن يكون هذا التفجير، وما يمكن أن يلحقه، عامل تجميع وتوحيد، وهي الرسالة التي تردد مضمونها على لسان كثير من المتجاوبين مع الأصداء الحزينة للحادثة الجلل، بل ينبغي أن يكون سببا في تجاوز الكثير من الخلافات خاصة فيما يتعلق بأولويات المرحلة وطبيعة التحدي وحجمه وما يعيق الاتفاق والتوافق بين الأطراف المتنازعة.

لكن الصورة ليست مشرقة، والحراك بعد توقيع اتفاق الصخيرات ليس مطمئنا حتى الآن، فرئيس الحكومة لم يدخل طرابلس بعد ويبدو أن التحديات أكبر منه، وبرغم إعلان كتائب مهمة وفاعلة في طرابلس عن تأييدها للاتفاق وللحكومة المنبثقة عنه، إلا أن غياب الفعل القيادي على الأرض يشكل إرباكا ويجعل الجميع في حيرة بل ربما يؤكد مواقف المعارضين للاتفاق من أن الحكومة ولدت ميتة وأنها ربما تكون حكومة منفى أو سلطة منطقة معزولة.

تداعيات الخلاف ونتائج استمرار النزاع وفي مقدمتها غياب حكومة قوية يتفق عليها الجميع أو المجموع الفاعل يفسح المجال لمزيد من الفوضى ومزيد من الخروقات الأمنية، وإذا تطور النزاع واشتد على خلفية الموقف من اتفاق الصخيرات وحكومة السيد السراج، فإن الخطر لن يحوم حول العاصمة، بل سيضرب في عمقها وسيجعلها ساحة لكل أنواع الإرهاب.

لا تعلنوا الحداد فقط، بل أعلنوا الاتحاد، واتجهوا إلى تجاوز الخلافات من خلال إعادة ترتيب الأولويات وتحديد كبرى التحديات، ثم التوافق على كيفية مواجهتها، فإن الخلاف مهما كان مبررا وله دواعيه فإنه لا يمكن أن يأتي بخير، بل في استمراره الشر كله، وانظروا إلى الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد منذ تفجر الخلافات والنزاعات بين شركاء الثورة ورفقاء السلاح، فهل كان مآله إلا إلى ضعف وتشرذم وموت ودمار، بل إضعاف كلا طرفي النزاع، وهل كانت مبررات الخلاف ودواعيه ذات جدوى ونفع وانتقلت بالبلاد والعباد إلى الأفضل كما يعتقد المختلفون والمتنازعون وذلك في حال افتراض حسن النوايا وصدق المواقف، أم أن النتيجة كانت خلافا لما أرادوا؟!

تقول بعض الحكم إن العوام أكثر اتزانا في الأزمات من كثير من القادة ومتصدري المشهد السياسي والأمني، قد يكون في هذه الحكم بعض الصواب وذلك لأن العوام يبتعدون عن التفسير المتعسف لأسباب الأزمات وتداعياتها ويتجهون إلى أيسر الخيرات لاحتوائها، فعمق التحليل والتفسير عند اشتداد الأزمات قد يميل إلى نظرية المؤامرة ويغفل عن الأسباب والحلول الواقعية التي هي أمام ناظري الجميع فيتعثر التوافق ويتعمق الشرخ ويزيد النزف ويكثر الخراب.
0
التعليقات (0)