كتاب عربي 21

هيبة الدولة أم خردة الدولة؟

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
تبين الآن بوضوح أن تونس تحصلت على "هبة" تحت عنوان "تعاون عسكري" تتمثل في طائرات "خردة" أو "خارج الخدمة" أو للاستعمال كقطع غيار. كان ذلك واضحا في تصريح يوم 5 كانون الثاني/ يناير لكاتب الدولة (السابق) للخارجية العبدولي: 

"الأردن والسعودية منحا تونس طائرات مقاتلة من نوع "أف 5" خارج الخدمة... غير أن شروط اقتناء تلك الطائرات بين الصانع والدولة المالكة تشترط عدم التفويت فيها إلا بعد مصادقة الصانع، لذلك سيتم استشارة الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها الدولة المصنعة، ولن يتم تسليم تلك الطائرات إلا بعد مصادقتها وهي إجراءات يمكن أن تطول" (جريدة "الصباح"- 5 يناير).

من المؤسف أن نصل إلى هذا الحضيض والإضرار بكرامة البلد وجيشنا خاصة، من قبل حزب حاكم وسياسيين زايدوا بالوطنية.

فبعد محاولات وتدخلات عديدة، قبلت الرياض دعوة الرئيس التونسي. وكان "الإنجاز" الأساسي للزيارة ما تم نقله إثرها في بلاغات رسمية، بأن السعودية قررت "تمكين تونس من هبة عسكرية تتمثل في منحها 48 طائرة من طراز أف-5 لدعم جهودها العسكرية ومساعدتها على مكافحة الإرهاب خاصة".

 وقبل أيام من الزيارة تم إعلان الرياض عن "تحالف عسكري إسلامي ضد الإرهاب" وتم إدراج تونس فيه دون أن يصدر ذلك في أي بيان رسمي تونسي. وفقط بعدها حاولت السلطات الرسمية التخفيف من الأمر حتى إن الرئيس السبسي قال إنه لا يمكن لتونس أن تشارك في هذا التحالف لأنه "ليس لديها جيش". وهو ما بدا ضربا لمعنويات القوات المسلحة التي من المفترض أن يكون قائدها العام، خاصة أنه أعلن منذ أسابيع "حربا على الإرهاب". 

وهكذا من الواضح أن قبول تونس بأن يتم إدراجها في "تحالف عسكري إسلامي" كان مقابل حصولها على طائرات عسكرية "خارج الخدمة". الانخراط في هذا التحالف يبدو خارج سياق الديبلوماسية التقليدية "البورقيبية" التي يدعي السبسي انه يمثل تواصلا لها. ليس فقط لأنها تمثل انخراطا في سياسة الأحلاف، هنا تضاد المحورين السعودي-الإيراني، بل أيضا بتسجيل غياب دولة شقيقة وهو الجزائر عن التحالف. وعموما كانت السياسة الخارجية التونسية متناسقة مع السياسة الجزائرية خاصة في القضايا الإقليمية الكبرى. 

ما يعمق جراح صفقة "الطائرات الخردة" هو أن المملكة كانت وضعتها للبيع منذ شهر جانفي 2015 وتم تقديمها كما ورد في إعلان نقله موقع "defense-aerospace" انه يمكن استعمال الطائرات كقطع غيار. الإعلان عرض الطائرات في شكل مزاد علني دون تحديد سعر أولي وهو مؤشر على رغبتها في التخلص منها بأي ثمن. في الحقيقة من الواضح أن ذلك مرده توسع الأسطول الجوي العسكري السعودي ورغبة الرياض في إيجاد مجال كافي لإيواء وصيانة طائراتها الجديدة. 

للتذكير سبق للرياض أن زودت تونس بدعم عسكري جوي لكن في إطار  دعم وضمانات مالية سمحت لتونس باقتناء طائراتها الحربية الوحيدة سنة 1986 في سياق الصراع المحتد آنذاك بين تونس وليبيا. وتمثلت شراءات تونس آنذاك في بوارج بحرية لاتال تمثل إلى الآن العمود الفقري للبحرية العسكرية. غير انه لا يمكن مقارنة "الهبة" الحالية بالدعم الذي تم في تلك الفترة لا نوعا أو كما. 

جهود التصنيع العسكري وورشات الميكانيك العسكرية التونسية تستحق دعما في اتجاه توفير اللازم وإصلاح ما يجب إصلاحه في سياق الحاجات الجديدة التي تفرضها طبيعة "الحرب على الإرهاب" وهي حاجات مختلفة جذريا عن حاجات الحروب النظامية التقليدية. 
فالطائرات الحربية خاصة جيل الثمانينات من نوع "اف 5" لم تعد صالحة أساسا لحروب نظامية عصرية فما بالك بحروب الجبال وتعقب المجموعات الإرهابية المتمرسة على "حروب العصابات". وعليه ليس من المصلحة العسكرية في سياق "الحرب على الإرهاب" الاستغراق في تغيير قطع غيار طائرات قديمة ليس هناك منفعة عملياتية كبيرة أصلا من وجودها في الميدان. 

كل ذلك يعيدنا إلى موضوع رئيسي آخر هو غياب الاستراتيجيا الوطنية لمواجهة الإرهاب. إذ أن التموقع العسكري في هذا التحالف أو ذاك، والاقتناءات العسكرية والأمنية لا يجب أن تخضع للصدفة والأهواء وإرادة دول أخرى حتى إذا كانت شقيقة وصديقة بل يجب أن تنبع أساسا من حاجاتنا وتصورنا المبني على غايات إستراتيجية محددة. وتردد وارتباك السلطة الحالية وتهربها من استحقاقات الاستشراف الاستراتيجي عائق حقيقي أمام أي منهجية جدية في المستويين العسكري والأمني في مواجهة الإرهاب. يبقى أن القرار الأخير لإعادة خطة "اليقظة الإستراتيجية والاستشراف" في رئاسة الحكومة في سياق التحوير الحكومي الأخير ربما يؤشر إلى وعي بهذا الفراغ واستئناف جدي لورشات استراتيجية توقفت منذ فترة ولم يتم اعتماد مبدأ تواصل الدولة لضمان استمرارها.
1
التعليقات (1)
التجمع الدستوري الدمقراطي
الأحد، 10-01-2016 12:47 م
أنت معقد وإنتهازي