أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنّ «داعش» لن تجرّ بلاده إلى حرب طويلة ومكلفة على الأرض في سوريا والعراق، وعلّل موقفه الرافض إرسال قوات برية أميركية إلى كون مقاتلي التنظيم كانوا جزءا من التمرد الذي واجهته واشنطن في العراق. وبالتالي فإنّ أي احتلال للأراضي التي يسيطر عليها التنظيم اليوم سيمكن «داعش» من الحفاظ على التمرد لسنوات، وهو ما سيسمح «باستنزاف مواردنا وقتل الآلاف من جنودنا». ورأى أوباما أن الاستراتيجية الأفضل هي التي تستخدمها الولايات المتحدة الآن من خلال الضربات الجوية والقوات الخاصة، والعمل مع قوات محلية من أجل استعادة السيطرة على بلادها.
لا تختلف الحملة الأميركية العسكرية الجوية على «داعش» عن الحملة الروسية في محدودية نتائجها. فالأخيرة، وبحسب اتهامات غربية أمريكية لها، لم تتجاوز ضرباتها على «داعش» نسبة 10 في المائة من مجمل ضرباتها الجوية في سوريا، إذ إن أغلب ضرباتها تركزت ضد المعارضة السورية المعتدلة التي تحارب الأسد. أما واشنطن فتكتفي بدورها بضربات انتقائية لم تشكل أي رادع عسكري للتنظيم يجبره على وقف هجماته في العراق ومناطق المعارضة السورية. كما أنها لم تقم بتأمين أي غطاء جوي لأي معركة خاضتها المعارضة السورية ضد «داعش»، ولم تتدخل لوقف هجوم «داعش» عليها كما تدخلت لصالح الأكراد في مواجهات عدة، حتى أنّ واشنطن تقف، إلى الآن، عائقا جديا أمام إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، تطالب بها تركيا وبعض الدول العربية من أجل حماية المدنيين من براميل الأسد، ومن جرائم «داعش» ووقف النزوح الذي بدأت تأثيراته الديموغرافية تظهر في سوريا وعلى التوزيع السكاني فيها، بالإضافة إلى أن لهذا النزوح أعباء كبيرة على الدولة التركية والدول الأوروبية التي وصل إليها مؤخرا أكثر من أربعة ملايين نازح.
بعد إسقاط المقاتلات التركية للقاذفة الروسية «سوخوي 24» وإرسال أنقرة أكثر من 1200 جندي تركي بكامل عتادهم إلى أطراف مدينة الموصل، ودعوة فصائل المعارضة السورية السياسية والعسكرية إلى الاجتماع في العاصمة السعودية الرياض، وزيارة أردوغان المرتقبة إلى السعودية، يبدو أنّ قرارا عربيا إقليميا بإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا يأخذ طريقه إلى التنفيذ بغض النظر عن رأي واشنطن من هذا المشروع. فالموقف الذي أطلقه وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو لمحطة «كنال 24» التركية بأنّ «العمليات الجوية فقط غير كافية للقضاء على تنظيم داعش في سوريا، وهناك حاجة لقوة برية فعالة لدعم المعارضة المعتدلة»، رسالة واضحة لإدارة أوباما بأن الدول الإقليمية المعنية بإنهاء ظاهرة «داعش» لم تعد تقوى على تحمل تقلبات المواقف في واشنطن، وهي باتت تثير الريبة لحجم تقاطعها مع مواقف طهران في معالجة أزمات المنطقة. كأن هذه الإدارة معنية بالحفاظ على توازنات سياسية وميدانية تعهدت بتقديمها لطهران على هامش المفاوضات النووية.
فبينما اعتبر تشاوش أوغلو سياسات إيران الطائفية خطرا على المنطقة، لم تقم إدارة أوباما بأي خطوة لاحتواء هذه السياسات. وهي حذرة الآن من إنشاء منطقة عازلة في سوريا؛ لكونها على الأرجح ستكون تحت حماية الدول الداعمة للثورة السورية، وقد تتحفظ على أي عملية برية ستعتمد على قوة مشتركة من هذه الدول ومن مقاتلي المعارضة المعتدلة، والتي إن تحققت فسوف تعطيهم تفوقا ميدانيا يمكّنهم من فرض شروطهم على التسوية.
تدرك واشنطن أن القضاء الفعلي على «داعش» هو بمشاركة دول الاعتدال السنية فقط، التي تشترط تلازم مسار الحرب على «داعش» مع انطلاق عملية سياسية من دون الأسد. ومن جهة أخرى تعلم واشنطن أن هزيمة «داعش» ستعجّل سقوط الأسد وهذا ما سوف يضرّ بمصالح إيران في سوريا والعراق.
شاء أوباما أو أبى لا يمكن لشعوب المنطقة القبول بأن تكون إيران جزءا من الحرب على الإرهاب، أو بالأسد كشريك مع المعارضة ضد «داعش» وأخواته. فإعادة الاستقرار للمنطقة لا يقتصر فقط على ضمان مستقبل أقليّاتها، ومن يعتقد أنه قادر على تجاوز ثوابتها الديموغرافية سيصطدم حتما بحائط الأغلبية ومصالحها.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية