كتاب عربي 21

ترشح مرتضى وعكاشة.. ففازت 25 يناير

تامر أبو عرب
1300x600
1300x600
لم تكن انتخابات برلمانية، كانت صراع إرادات، فريق يرغب في فرض إرادته وتسويق الانتخابات على أنها إعلان نهائي عن موت 25 يناير، وفريق يرغب في فرض إرادته بعدم تمكين الفريق الأول من فرض إرادته وإجباره على التواضع وإدراك أنه لا يملك وحده خيوط اللعبة.

بالعقل والمنطق والصور والفيديوهات والنتائج نجح الفريق الثاني في فرض إرادته، فما أرادوه "عرسا" ديمقراطيا، ظهر للعالم على أنه "جوازة على الضيق علشان العريس غلط مع العروسة"، وما اعتبروه فرصة للاطمئنان على موت 25 يناير تماما، انقلب ليصبح دليلا على أنها ما زالت قوية وقادرة على تنفيذ إرادتها ولو بالصمت والعزوف.

دعك من كل ما يروجه ويردده دراويش النظام بأن الانتخابات البرلمانية أكدت تأييد الشعب لتيار يونيو في مواجهة تيار يناير، دعك حتى من النبرة الانهزامية الانسحابية لبعض المحسوبين على الثورة ممن يرون نتائج الانتخابات دليلا على أن هذا البرلمان يليق بهذا الشعب الذي يعادي ثورة تسعى لتحريره، ويختار من كانوا سببا في تغييبه وإفقاره.

ما حدث في الانتخابات يستحق الاحتفاء ويستدعي الأمل والعمل، فقد كشف أن حملات الدعاية "الجوبلزية" فقدت بريقها، وأن النظام فقد كثيرا من سيطرته على أدمغة الناس، إما لكفرهم تماما به واكتشافهم محدودية قدراته، أو على الأقل لأنه أصبح في نظرهم كغيره، ولم يعد في نظرهم الفارس المخلص القادر على فعل كل شيء وأي شيء، وفي الحالتين هذا مكسب أكبر من أن يمر دون تأمل.

بعض الأرقام تكفي للكشف عن بؤس الانتخابات الحالية، أولها المقارنة بين نسبة المشاركة فيها ونسبة المشاركة في انتخابات برلمان 2011، ففي حين وصلت المشاركة في الأخيرة إلى 62% من إجمالي الناخبين، لم تتعد المشاركة في انتخابات 2015 حاجز الـ24%.

هذا يعني أن 2 من كل 3 ناخبين صوتوا في انتخابات برلمان الثورة أحجموا عن المشاركة في انتخابات الثورة المضادة، سواء كان لهذا الرفض دوافعه السياسية المتمثلة في توصيل رسالة برفض السياسات الحالية، أو كان له دوافع أخرى اقتصادية واجتماعية والتي أدت بالمصريين إلى الزهد في المشاركة في الحياة العامة.

أرقام أخرى أكثر خصوصية وتفصيلا شهدتها دائرة الدقي التي حسمها عبد الرحيم علي من الجولة الأولى بحصوله على 45 ألف صوت، ما اعتبره مؤيدوه اكتساحا لأصوات الدائرة، وبالعودة إلى انتخابات 2011 نجد أن الدائرة نفسها شهدت معركة حامية بين عمرو الشوبكي ومرشح الإخوان عمرو دراج في جولة الإعادة انتهت بفوز الشوبكي بالمقعد بحصوله على 157 ألف صوت بفارق ضئيل عن دراج الذي حصد 154 ألفا.

الشوبكي نفسه عندما خاض انتخابات الإعادة هذه المرة في دائرة الدقي أيضا خسرها بفارق 800 صوت، لكنه لم يحصد سوى 21 ألف صوت، ربما يعني هذا أن المرشح المحسوب على يناير مني بهزيمة ساحقة، لكن الرقم الذي حصل عليه منافسه الذي كان يقدم نفسه باعتباره ابن 30 يونيو لم يحصد سوى 21 ألفا و800 صوت.
هذا يعني أيضا أن إجمالي ناخبي الدقي الذين نزلوا للاختيار في جولة الإعادة 44 ألفا و500 صوت، مقارنة بأكثر من 311 ألفا نزلوا في إعادة 2011.
 
***
 
يتحدثون الآن عن أن نسب المشاركة ليست مهمة وأن البرلمان سينعقد في كل الأحوال، وهم من كانوا يتسولون الناخبين طوال أيام الانتخابات ويكيلون الاتهامات للمواطنين الكسالى الذين لا يقدرون خطورة المرحلة، ويمنحون الإجازة تلو الأخرى لتشجيع الناس على النزول، وهم أيضا من أطلقوا مصطلح "برلمان الأقلية" على مجلس شورى الإخوان بسبب ضعف المشاركة في انتخاباته.

يؤكدون أن نسب المشاركة الحالية هي النسب الطبيعية في أي انتخابات، وينسون أن الانتخابات البرلمانية التركية التي سبقت انتخابات مصر بشهر واحد وصلت نسبة المشاركة فيها إلى 86%، بل إن الانتخابات السورية التي أجريت في منتصف 2012 بينما كانت الحرب الأهلية على أشدها كانت نسبة المشاركة فيها، بحسب ما أعلنته لجنة الانتخابات هناك، 51.2%.

عليهم أن يتخلوا عن عنادهم ويعترفوا بأن المقاطعين فرضوا إرادتهم وأنهم كسبوا هذه الجولة في مواجهة النظام وآلتيه الأمنية والإعلامية، هم أرادوا أن تبين نسبة المشاركة الفارق بين انتخابات تقام في ظل ثورة تمنح الناس الحرية والأمل، وانتخابات تقام في ظل حكم أورث الناس السجن والخوف، هم أرادوا أن يكون البرلمان ابن الواقع الحالي بأوهامه ومساخره وجنونه، وأن يدخله الجاهل والتافه والبذيء والمخبر لأن الأنظمة تعرف برجالها وتعس نظام هؤلاء رجاله.

هؤلاء الذين لا يملكون سلاحا ولا مالا ولا إعلاما يملكون شيئا يمكن أن يبطل مفعول كل ما سبق، يملكون صوتهم الذي يمنح الشرعية للأنظمة، صورهم أمام اللجان التي تبني عليها الحكومات دعايتها، نسب المشاركة التي تؤكد للدول إن كانت على الطريق الصحيح أم لا، ومن الغباء أن يمنحوا كل ذلك لنظام يعاديهم ويخنقهم ولا يفوت فرصة للتنكيل بهم وكتم أنفاسهم.

الغريب أن بعضا من المحسوبين على معسكر الثورة العارفين بأهمية خروج البرلمان بهذا الشكل لا يتوقفون الآن عن اتهام الناس بالجهل لأنهم اختاروا نوابا كهؤلاء، لا يعرفون أن هؤلاء أصبحوا نوابا بالفعل حين قرر شباب يناير الانسحاب من هذا المشهد العبثي، فلم يحصل مرشحو الجهل والبذاءة والنفاق على أصوات أعلى من تلك التي كانوا يحصلون عليها كل مرة، الفارق أن المرشحين والناخبين الذين كانوا يقصونهم خارج المنافسة من الجولة الأولى التزموا بيوتهم طواعية تاركين الساحة لمن يليق بها.

الانتخابات الأخيرة تستحق وقفة تأمل وتعلم وبناء على نتائجها، فقد أكدت أن منحنى قوة النظام الحالي آخذ في الهبوط، وأن الناس انفضوا من حوله وصار في نظرهم كغيره، وهذا تطور مهم في الطريق إلى نقطة "توازن الرعب" التي لا يملك فيها طرف تفوقا مطلقا على بقية الأطراف.
1
التعليقات (1)
احمد نبيه احمد
الإثنين، 07-12-2015 02:29 ص
الله عليك يا استاذ تامر تحياتى على التحليل العميق صدقنى مقالك ادانى جرعه من الامل مش فى التغيير على قد ماهى جرعه امل للحياه نفسها وان ممكن الحق يبقى له صوت وسط ضوضاء الظام والياس والاحباط ... كمل