عازف على الغيتار، شغوف بكتابة القصائد والأغاني ومدخن إلى درجة كبيرة، وصاحب لسان لاذع.
التجهم والعبوس صفات ملازمة له، لا يضحك إلا نادرا أو حين يسجل فريق "سبارتاك موسكو" هدفا في مرمى الخصم، لأنه من مشجعيه الكبار.
يتقن فن "اللاءات"؛ فهو من أكثر وزراء خارجية
روسيا استخداما لكلمة "لا"، وقال "لا" للغرب مرات عديدة بشأن الأزمة السورية، ولم يسمع منه سواها حين يتعلق الأمر بمصير الأسد، حتى إنه نافس سلفه أندريه غروميكو، وزير خارجية الاتحاد السوفييتي السابق، صاحب لقب "مستر نْيَتْ" أو "السيد لا".
واكتسب غروميكو لقب "مستر نيت" لعرقلته التحركات الغربية في الأمم المتحدة دون هوادة.
يصفه الصحفي المخضرم غلين كيسلر بأنه "رجل استعراضي لا يتردد في استخدام خنجر دبلوماسي".
يصنف كمدافع مدني أكثر من كونه رجل سياسة، فالسياسة الخارجية الروسية تقاد عبر الرئاسة الروسية كما هي العادة، وبوجود فلاديمير
بوتين فإن الكل يمرون من خلال مجرته وعبر مكتبه.
ورغم هذا، فإن خبراء روس يقولون إن
لافروف أكثر من مجرد منفذ لسياسات يمليها عليه الكرملين، منبهين إلى أن لدى لافروف "صوتا أكثر علوّا" في الحكومة منذ عودة بوتين إلى الرئاسة.
يصفه خبراء في السياسة الخارجية الروسية بأنه شخص صعب ولكن موثوق به، مفاوض من الدرجة الأولى، ولكنه يبدو أنه ليس سوى عضو عادي من فريق بوتين وليس رقما مستقلا.
سيرغي فيكتوروفيتش لافروف، مولود في آذار/ مارس عام 1950 في موسكو، لأب من أصول أرمنية من تبليسي، وأم روسية من جورجيا، كانت تعمل موظفة في وزارة التجارة الخارجية السوفييتية.
تخرج في عام 1972 من قسم اللغات الشرقية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (مغييمو) بعد أن درس اللغات الإنجليزية والفرنسية والسينغالية (لغة أهالي سيريلانكا).
بدأ يترقى في السلم الدبلوماسي بعد تعيينه ملحقا دبلوماسيا في السفارة السوفييتية في سيريلانكا، وبعد إنجاز مهمته في سيريلانكا، عاد عام 1976 إلى موسكو ليعمل في إدارة العلاقات الدولية لدى الخارجية السوفييتية.
فيما بعد، أوفدته الحكومة إلى الولايات المتحدة للعمل في البعثة الدبلوماسية للاتحاد السوفييتي في هيئة الأمم المتحدة، وتولى مناصب السكرتير الأول والمستشار وكبير المستشارين.
وفي الأعوام 1988– 1994، ترقى في السلم الدبلوماسي في أجهزة وزارتي الخارجية السوفييتية والروسية، إلى أن تولى منصب نائب وزير الخارجية آنذاك أندريه كوزيريف، وكلف بمهمة التعامل مع المنظمات الدولية والإشراف على إدارة رابطة الدول المستقلة.
وفي عام 1994، قام الرئيس الروسي بوريس يلتسين، بتعيين لافروف مندوبا دائما لروسيا الاتحادية في هيئة الأمم المتحدة، وعلينا أن نتذكر أن يلتسين أول رئيس روسي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وكان يمسك بكلتا يديه بتفاصيل كل شيء في روسيا.
وعند الخدمة في مقار الأمم المتحدة أثناء رئاسة يلتسن، الذي كانت قبضته على السلطة أضعف من بوتين، فقد كان لافروف يضطر أحيانا إلى تحمل الانتظار المحبط للتعليمات.. وفي مرة عندما أبلغ ممثلي مجلس الأمن بأنه ينتظر تعليمات من حكومته، سُمع وهو يهمهم: "هذا إذا كان لدينا حكومة".
بعد هذا التعيين ذاع صيت لافروف، وتعرف لافروف في نيويورك بالعديد من الدبلوماسيين الأجانب، ودرس جيدا القضايا الدولية الرئيسة، علما بأن جلسات مجلس الأمن التي كان يحضرها كانت تبحث الأجندة العالمية الرئيسة، بما فيها الوضع في يوغسلافيا والشرق الأوسط وقبرص وكوريا ومشكلة مكافحة "الإرهاب" بعد وقوع هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وما أسفر عنها من عمليات عسكرية أمريكية في أفغانستان والعراق.
مع دخول بوتين إلى المشهد الروسي بقوة، فقد قام في آذار/ مارس عام 2004 بتعيين لافروف وزيرا للخارجية خلفا للوزير إيكور إيفانوف.
يشبهه كثيرون بسلفه أندريه غروميكو الذي صبغ حقبة مهمة من المرحلة الشيوعية بنكهة من التجهم والقسوة والتصريحات الحذرة والحازمة، والذي جلس في منصبه وزيرا لخارجية الاتحاد السوفييتي في حقبة الحرب الباردة لمدة 28 عاما.
وكثيرا ما أثار لافروف استياء الغرب بسبب تصلبه وعناده، كما هو الحال في قضية الملف النووي الإيراني ومصير الرئيس السوري بشار الأسد، لكنه كان دائما يحظى برضا موسكو، وتحديدا بوتين الذي يظهر له مشاعر الرضا عن أدائه، وكأنه لعبته المفضلة.
لافروف عضو في حزب "روسيا الموحدة" الذي يتزعمه بوتين حتى وقت قريب، وأمكنه البقاء في منصبه عبر تقديم نفسه على أنه دبلوماسي حذر يتجنب القيام بأي دور علني في السياسة المحلية، ودون أن يظهر أي معارضة للرئيس بوتين.
براغماتيكي يشكك بكل شيء، ويدقق بالتفاصيل والتعابير.. عنيد ويلجأ لخلط الأوراق لإفساد خطط الآخرين إذا ما شعر بأن اللعبة لم تعد واضحة.
ماهر بالتهرب، خصوصا من الصحافيين الذين ما إن يرى بعضهم حتى يضع هاتفه النقال على أذنه بوصفه شخصا مشغولا، فيتملص ويغادر المكان من دون أن يصرح بكلمة.
كأنه محامي الأسد.. لا يترك مناسبة إلا ويدافع فيها عن النظام السوري، كما الأب عن ابنه وأكثر.
يبدو حادا في موضوع إسقاط تركيا للطائرة الروسية التي خرقت مجالها الجوي، رغم أنه كان أول من قال إن روسيا لا تنوي محاربة تركيا، مؤكدا في الوقت ذاته أن ما يجري "استفزاز تركي متعمد".
لافروف يحسن ركوب الأمواج والتجديف في المياه الآسنة؛ فهو يروج أن بقاء الأسد ليس حتميا في وقت يعلن فيه أن مستقبل الأسد بيد السوريين، معتبرا أن موسكو تحارب "الإرهاب" في
سوريا، بينما هي في الواقع تحارب المعارضة المعتدلة وتقتل من السوريين الأبرياء تماما كما تفعل الولايات المتحدة وتحالفها وباقي التنظيمات المسلحة في سوريا.
يبدو لافروف مثل رئيسه بوتين متوترا ومستفزا يسوق التهم لأنقرة، كما لو كان يمتلك قبعة حاوٍ مليئة بالمفاجأت، فيخرج منها أرنبا وحمامة وبيضة ومناديل ملونة، لكنها في النهاية ليست سوى خداعا بصريا.
لافروف يعرف أن لا حل في سوريا دون تركيا، وموسكو لن تخسر تركيا لأن المصالح الاقتصادية تلتقي مع الأتراك.
بوتين أقدم على "مغامرة دولية جديدة غير محسوبة النتائج"، وفقا للبروفيسور آندي زيبوف، عضو مؤسسة العلاقات الدولية المرتبطة بالوزارة الخارجية في موسكو .
يقول زيبوف: "إدارة بوتين والكرملين أدخلت روسيا في مغامرة دولية جديدة، وهم يركضون خلف أحلام كبيرة وانتصارات باستخدام القوة المفرطة، وبعد كل هذا فإننا لا نرى محاسبة لأفعال بوتين".
حرب موسكو في سوريا ليست حربا على تنظيم الدولة أو على "الإرهاب".. هي حرب مصالح ومختبر لصناعة عداوات جديدة بين روسيا والمنطقة.
لافروف وبعد أن تنقشع سحابة دخان سيجارته، فسيحاول أن يتملص من تصريحاته بوضع هاتفه على أذنه مدعيا أنه يكلم أحدا، فالحرائق حول روسيا مشتعلة في كل مكان.
أو كما قال غروميكو ذات يوم: "إن الشيء الرئيس في الدبلوماسية هو بلوغ الحل الوسط والتفاهم بين الدول وقادتها".. وهذا ما يحدث عادة بعيدا عن بطولات المؤتمرات الصحفية وفلاشات المصورين.