1-
البلد دي ميغرّقهاش غير واحد عسكري
هناك عسكري يجلس على رأس السلطة، يرصد من ميزانية الدولة مئات الملايين لتنفيذ مشروعات البنية التحتية في محافظة ما، يأخذ محافظ عسكري الأموال ليمنحها لشركة مياه يرأسها واحد عسكري، أو شركة كهرباء يرأسها واحد تاني عسكري، يعهد بدوره إلى شركة مقاولات تابعة للدولة يرأسها عسكري ثالث بالأمر المباشر تنفيذ المشروع، أو يختصر الطريق ويمنح المشروع مباشرة للهيئة الهندسية، والنتيجة أن يموت الناس غرقا أو صعقا مع أول موجة مطيرة.
هي قصة طويلة حزينة يعيشها المصريون منذ 63 عاما، يأتي كل رئيس عسكري ليؤكد أنه استلم البلد من سلفه "العسكري أيضا" دون مرافق تذكر أو ببنية تحتية متهالكة، يقضي الرئيس الجديد عدة عقود يؤكد خلالها أن غالبية موارد الدولة تذهب لتحسين البنية التحتية وإقامة مشروعات المياه والصرف والكهرباء، لكن موارد الدولة تذهب وتبقى البنية التحتية كما هي.
ثم يحبسون من يهتف بسقوط حكم العسكر!
2-
في مصر جهاز إداري متضخم، إدارات متعددة للتعامل مع كل شيء، هيئات مترامية الأطراف، أجهزة كثيرة للتعامل مع الأزمات، ملايين القوانين التي تحدد المسؤوليات والمهام، عشرات الأجهزة الرقابية التي تراقب الأداء وتحاسب المقصر، هو شكل مثالي لدولة مركزية تسيطر على كل شيء، لكن الواقع "بلح".
توزع المناصب كمكافآت نهاية خدمة للواءات المتقاعدين، يهبط اللواء على شركة لمياه الشرب في الدقهلية بعد إنهاء خدمته في كتيبة بالصحراء الغربية، يقضي شهورا للتعرف على آلية العمل في الشركة وشهورا أخرى متحسرا تولي زميله في الكتيبة نفسها مسؤولية شركة كهرباء بالشرقية يحصل بموجبها على مكافآت أعلى، يدير الشركة بطريقة إدارته الكتيبة، لا يسمح لأحد بمناقشة قراراته ومخالفة توجيهاته، يتعامل مع الموظفين كما كان يتعامل مع المجندين، يرقّيهم ويرضى عنهم وفقا لقدرتهم على النفاق لا العمل، واهتمامهم بحلاقة لحاهم لا بإنجاز مهامهم، يسدد خانات لا ينفذ مشروعات، المهم أن يرفع تقريرا بإدخال الصرف الصحي للقرية الفلانية، لا يهم إن كان نظام الصرف يعمل بكفاءة أو لا، فالعيوب لن تظهر إلا في عصر خلفه الذي سيلقي بالمسؤولية طبعا على سلفه، لن يُحاسب أحد على تقصيره لأنه في مصر لا يحاسب اللواءات وهم على قيد الحياة.
تبني العقول المصرية محطات القطار في ألمانيا ومنظومات الطوارئ في أمريكا ومحطات الطاقة النظيفة في كندا، يسافر إليهم الزميل أحمد فايق لإجراء حوارات معهم عن أسباب خروجهم من مصر واستعدادهم للعودة، قصصهم جميعا متشابهة، هذا رفضت الجامعة تعيينه معيدا لأن المكان كان محجوزا لابن عميد الكلية، وذاك استلم وظيفة براتب 300 جنيه في شركة قطاع عام لا يسمح فيها بالإبداع عميد الجيش.
نعم مصر تستطيع أن تخرج مما هي فيه، لكن عليها أن تستطع أولا تحرير شركاتها ومرافقها وهيئاتها المدنية من لواءات الجيش.
3-
نتعرض لحملة إرهاب بشعة كلما تحدثنا عن حكم العسكر، يعتبرون ذلك إهانة للجيش ورجاله، حكم العسكر هو سيطرة الجيش على المرافق والمؤسسات المدنية والعامة بدءا من رئاسة الجمهورية وصولا لأصغر وحدة محلية في أصغر قرية في مصر، هذه المؤسسات التي يبدأ رجال الجيش التعرف عليها بعد الستين ويحققون في إدارتها الفشل تلو الآخر.
لا يصلح مهندس في هيئة الطرق والكباري لوضع خطة حربية، ولا يصلح لواء في الجيش لتولي رئاسة شركة، هذه حقيقة كما أن الشمس تشرق من جهة الشرق.
كيف يحقق لواء جيش نجاحا في مجال لم يكن يعرف عنه شيئا حتى قبل خروجه على المعاش بيوم واحد؟ ولماذا يعمل مهندس باجتهاد وهو يعلم أن فرصته في الترقي إلى منصب قيادي شبه معدومة؟ ولماذا يتحدث الجميع عن فساد المحليات ويتجاهلون حقيقة أن اللواءات يسيطرون عليها منذ عقود؟
سندعم رجال الجيش ماداموا يقومون بواجبهم على الحدود، وسننادي بإسقاط حكم العسكر وتولية أهل الكفاءة من أجل مصر والجيش معا، ولن ننتظر في المستقبل خيرا مادامت بلدنا تحولت أكبر كتيبة مفتوحة في العالم.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
"عربى21"