كتب ماهر أبو طير: كل يومين يخرج علينا رجل دين ليقول إن طعن جنود الاحتلال لايجوز، وبعضهم يقارن بين النبي الذي لم يؤسس جمعيات سرية لطعن اليهود والمقاومين، وآخر يقول إن الاحتلال يزود الفلسطيني بالماء والكهرباء ويدفع لهم المال فلا يجوز طعنهم مدنيين وعسكريين، وثالث يقول إن جلوس النسوة في بيوتهن خير من الرباط في الأقصى خوفا على عرضهن، من الاحتلال وجنوده؟!
والكارثة أيضا أن اليوتيوب والإنترنت بات حافلا بتسجيلات منسوبة إلى "علماء أردنيين" من تيار سلفي محدد، يفتون بعدم جواز مقاومة الاحتلال، وفي هذه النسبة إساءة للأردن، لأنه يراد أن يقال إن في الأردن علماء يخدمون الاحتلال، ولا بد هنا للجهات الرسمية أن تسكت هؤلاء وتلقمهم حجرا، لأنهم يربطون بين ضلالاتهم، والأردن، أمام العرب والمسلمين، وكأن الدولة هي التي تحركهم، وهي التي تدعمهم، وتحميهم.
هذا النوع من الفقه غريب جدا، فهو فقه معزول عن الواقع، ويريد أن يتغطى بالظروف، وحاجتنا للصبر، وأننا مستضعفون في الأرض، ولا أي منفعة من طعن اليهود. عشنا حتى رأينا بشرا يشوهون جوهر الدين، فما الذي يتوقعه هؤلاء من أهل فلسطين حين يرون المسجد الأقصى مهددا بالتقسيم، هل ينتظرون فتوى من هنا أو هناك، لإيقاف الاحتلال عند حده؟!. لماذا يتناسى هؤلاء أن أصل القصة احتلال فلسطين، يسرقون فلسطين، ثم يتصدقون على أصحابها بالماء والكهرباء والعمل في المستوطنات، فيصير طعنهم حراما لأنهم يحسنون اليهم، فتنقلب الصورة مثلما هو العقل منقلب هنا، ويغاير في فتواه الغريزة الانسانية بالدفاع عن النفس، والوجود والمقدسات، وهي غريزة تجدها حتى عند غير البشر من مخلوقات أخرى تدافع عن وجودها ولاتنتظر رأيا من أحد ولاتعليمات من أحد؟!
يكفي هؤلاء احتفال إعلام الاحتلال بهم، ونشر سجلاتهم التلفزيونية، في كل المواقع التي تنطق بالعبرية، ففي هذا تطابق غريب، ينفي ذات الشيوخ من هذا الطراز رغبتهم فيه. ماالذي يتوقعه هؤلاء من شعب يتم حرق أطفاله وهم نيام، ويتم قتلهم كل يوم، ويتم تهديد مقدسات المسلمين التي يعيشون حولها وهي أمانة أيضا في أعناقهم؟!
الطريق إلى جهنم معبدة بالنوايا الحسنة، ولاتكفي هنا النوايا، ولا نريد أن نطعن في هذه النوايا، لكننا نقول لهذا النوع من رجال الدين إن عليهم أن يكفونا شرهم ويسكتوا، وينشغلوا بفقه المسواك وفتاوى التقبيل في رمضان، إذ إن ضيق الأفق لديهم، يتساوى مع مايريده الاحتلال من مسلمين على "الطريقة الهندية" حين تقبل الاحتلال وتستسلم له، وتنتظر فرج الله، حين يقرر الاحتلال وحيدا أن ينزل عن ظهرك. كارثة هذه النوعية أنها تريد أن تقنعنا أن هذا هو الاسلام، مثلما هي كارثة نوعيات أخرى تقدم الإسلام مشوها بطبعات مختلفة. لو كان شعب فلسطين بلا عقيدة وبلادين كليا، فمن حقهم أيضا أن يقفوا في وجه الاحتلال، مثل كل الشعوب الاخرى، فالقصة ليست بحاجة لفتوى من أجل حضهم على المقاومة أو عرقلتهم عنها، والطبيعة الانسانية السوية هنا، تدرك أن الوقوف في وجه الاحتلال غريزة إنسانية، لايعرقلها مظهر ديني ولا ثوب ولا تأليف كتب، ولا هز رؤوس من أنصار ومريدين، يظنون أنهم بهذا النوع من الفقه يحسنون صنعا، ولو نظروا في وجوههم لاكتشفوا أن النور منزوع منها، جراء أصرارهم على الخطأ. ثم تبقى مسؤولية العلماء الثقات ليعيدوا تأكيد المؤكد، أمام الناس، فيما لا نطلب من الثقات أن يقفوا في وجه هؤلاء، فقد حرقت أوراقهم منذ زمن بعيد، ولا داعي أصلا للدخول في مواجهات معهم، لتفنيد رأيهم، إذ لا تنقصنا فتن جديدة.
الوقوف في وجه الاحتلال ليس بحاجة أصلا لفتوى، وعلى هذا، فإن الفتوى بعدم جواز الوقوف في وجه الاحتلال لأنه يطعم الناس ويسقيهم، أو لأن النبي لم يطعن خصومه كما قيل، فتوى بلا أركان، هذا فوق أنها قد تصح فقط في حالات عيش اليهود بين الناس مثلما كانوا سابقا، فلا يصح الاعتداء عليهم، أما في حالة الاحتلال، فالقصة مختلفة تماما. ثم يؤلمنا أن يتسبب هذا الطراز بانهمار آلاف اللعنات والسباب على رجال الدين، قهرا من نموذج أو اثنين أو ثلاثة، وهم هنا يتسببون بكراهية لكل صاحب علم شرعي، جراء فتاويهم، فيحملون هنا إثما مضاعفا، فوق إثم التضليل، أي إثم تنفير الناس من الإسلام ورجاله، كما أن العامل المؤلم الثاني يتعلق باستغراق أنصار هذه النوعيات بالدفاع عن شيوخها دون تفكر أو تدبير فرضى الشيخ أهم من رضى الله. تبا لكم مثنى وثلاث ورباع.
(عن صحيفة الدستور الأردنية- 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)