محادثات
فيينا ومن قبل أن تبدأ أرسلت عدة رسائل للشعب السوري، سواء كانوا معارضين أم موالين لنظام
الأسد، وفي هذا المقال سنتوقف عند ثلاث رسائل أرسلها المؤتمرون في فيينا قبل اجتماعهم، وسنقف كذلك على الأسباب التي كانت وراءها.
الرسالة الأولى: لا يحق للشعب السوري تقرير مصيره
ربما هي أوضح رسالة أرسلها المجتمعون إلى الشعب السوري عبر رفضهم وجود أي طرف من الأطراف الأساسية المتنازعة على الأراضي السورية، ففي الوقت الذي حرص فيه المجتمعون على أن يكون اجتماع فيينا اجتماعا موسعا يشمل كافة الدول المعنية بالصراع داخل الأراضي السورية بما فيها العراق ومصر ولبنان، لم تتم دعوة وزير خارجية الأسد وليد المعلم، كذلك فإنها لم تتم دعوة أي طرف من أطراف
المعارضة المعترف بها رسميا من قبل معظم الدول الحاضرة في فيينا كالائتلاف السوري المعارض أو حكومة طعمة.
الرسالة الثانية: رسالة دولية كتبت بيد روسية: لا يحق لأي طرف الاعتراض.. نفذ أو تقصف!
من أهم النقاط في الملاحق المسربة، وغير المعلنة التي اتفق عليها المؤتمرون سواء في فيينا أم باريس أم موسكو أم غيرها، أن الحفاظ على المؤسسات العسكرية والاستخباراتية والأمنية في
سوريا له الأولوية الأولى في حساباتهم، ذلك أن انهيار هذه المؤسسات وعلى رأسها العسكرية، سيدفع الأوضاع في سوريا إلى مزيد من التعقيدات، والانفلات الأمني المطلق الذي يمكن أن يقود البلاد إلى مرحلة اللادولة. فبالإضافة إلى التواجد الإيراني والروسي، توجد في المنطقة اليوم قوات تنظيم الدولة والجماعات الكردية التي تقاتل في سبيل الانفصال، مما ينذر بأن الأوضاع يمكن أن تذهب إلى الأسوأ في حال عدم التحكم بالمفاصل الصدئة الثلاثة للدولة السورية، العسكري و الاستخباراتي و الأمني.
وعلى هذا ترى روسيا ومن قبلها الولايات المتحدة الأمريكية أن الحفاظ على الجيش السوري مسألة غير قابلة للتفاوض، ولهذا السبب تحديدا سيتم تحييد القيادات العسكرية التي تحظى بشعبية كبيرة سواء عند المقاومة الشعبية أو من جانب قوات نظام الأسد.
وسيتم تخييرها إما الانضمام تحت راية المؤسسة العسكرية الجديدة والتي يتم تشكيلها حاليا برعاية وإشراف روسي – دولي، أو إنه سيتم استهدافها ووضعها ضمن بنك أهداف التحالف وأصدقائه.
قد ترفض المقاومة الشعبية بشكل عام والمسلحة بشكل خاص التخلي عن قياداتها التي خاضت معها معارك النصر والتحرير وهذا ما هو متوقع من مناضلين أحرار أعلوا مصلحة الوطن على أنفسهم وأرواحهم، وكذلك هو الحال بالنسبة لقوات النظام التي ترى في قياداتها النفس الأخير لبقائها واستمرارها، ولكن ما يطمح إليه المجتمع الدولي اليوم هو تهدئة الصراع على السلطة في سوريا بين الثوار والأسد، والتركيز على جهود محاربة تنظيم الدولة، وجعل سوريا قاعدة عسكرية دولية لعملياتهم ضد التنظيم.
وهنا نتساءل: هل هذا يعني بالضرورة أن عنوان المرحلة القادمة في سوريا هو حكم العسكر؟ وهل يمكن أن تسيطر شخصية مدنية بشكل فعلي على الأوضاع في سوريا بعد انتهاء الأسد مع وجود قوات تنظيم الدولة والأكراد والجهات الجهادية المكروهة غربيا؟
وكيف يمكن لقيادات المقاومة الشعبية المسلحة في سوريا وعلى رأسها الجيش الحر أن تتعامل مع مثل هذه الضغوطات، وخصوصا أنها مازالت تدين بولاء كبير للدول التي تعمل على تمويلها، والتي تدعمها سياسيا وعسكريا ولوجستيا؟
وهل ستشهد قوات الأسد عمليات اغتيال على مستوى القيادات الرفيعة تماما كما شهدنا في الأسابيع الماضية من عمليات تصفية واغتيال لشخصيات تابعة لإيران وحزب الله؟
المتغيرات الداخلية ضمن صفوف المقاومة الشعبية المسلحة، تنم على تفهم ووعي كامل بالمتغيرات الدولية وأهدافها التي حددت وجهتها بناء على عاملين أساسيين هما: المصالح الجيواستراتيجية والجيوبولتيكية في المنطقة، وعلى هذا الأساس اتخذت قيادات الحر موقفا صريحا تجاه رغبة المجتمع الدولي ورفضت ما اسمته،"تدوير النفايات" أي إعادة تلميع وفرض شخصيات قيادية سواء أكانت عسكرية أم سياسية كان لها دورها في بناء ودعم مؤسسة الأسد المافياوية - الاستبدادية.
في هذا تحديدا لا بد من أن نذكر أن رؤية المجتمع الدولي التي تختلف مع الحر في هذا وذلك بناء على مجموعة من الاعتبارات أهمها:
أن معظم الشخصيات القيادية سواء العسكرية أو السياسة التابعة للمعارضة السورية اليوم، كانت جزءا من نظام البعث الذي يقوده الأسد، حتى إن تم انشقاقهم في أثناء الثورة فهذا عمليا لا ينفي واقع خدمتهم مؤسسات الأسد العسكرية والمدنية. وعليه لا يأخذ المجتمع الدولي هذا الرفض بعين الاعتبار كون هذه الشخصيات تملك خبرات قادرة على خدمة العملية السياسية و قيادة البلاد.
كذلك ينظر الغرب إلى أن قيادة الجيش السوري الموحد الذي يطمح إلى تشكيله والذي يضم في صفوفه كل من المقاومة الشعبية المسلحة وما تبقى من جيش الأسد، يجب أن تتولى قيادته، شخصية عسكرية –سورية- محايدة- لا إسلامية يمكن التفاهم والتعاون معها دوليا من قبل الأطراف كافة وتمتلك دراية كافية بمداخل وأسرار الهيكلية التنظيمية لمؤسسة الأسد العسكرية، بالمقابل لها اتصالاتها ومؤيدوها داخل المقاومة الشعبية المسلحة.
ذلك بغض النظر عن رؤية الشعب السوري أو قيادات المقاومة الشعبية المسلحة المغيبين بشكل كامل عن غرف صناعة القرار.
الرسالة الثالثة: مصالحنا أولا ودعمكم على قدر طاعتكم لنا
في فيينا تم تحديد الأولويات والتفاهم على مناطق النفوذ وتنسيق الأدوار وتعيين المسؤولين عن تنفيذ كل القرارات المتعلقة بالشأن السوري تماما، كما تمت معالجة نقاط الخلاف أو على الأقل تجميدها.
وأما الحديث عن تزويد ودعم المقاومة الشعبية المسلحة بمضادات الصواريخ والأسلحة النوعية، فسيحدده عاملان اثنان: أولهما مدى استجابة الفصائل التي سيتم تسليحها مع مقررات فيينا والضمانات التي ستقدمها القيادات قربانا لولائها. (كالتخلي مثلا عن فصائل -مكروهة غربيا - كان لها اليد الطولى في معظم انتصاراتهم؟!).
ثانيهما: الدور الذي يمكن أن تقدمه لاحقا في إنجاح العملية السياسية وفق الشروط الدولية، ومدى فاعليتها في السيطرة على الخطوط الساخنة التي تشهد صراعا مع باقي الأطراف.
ما شهدناه من صراع داخلي بين أطياف المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها العسكرية والسياسية خلال سنوات الصراع، وتعدد الرايات وانعدام التنسيق بين أطيافها، والخلافات القاصمة التي منعت المقاومة الشعبية الحرة من الالتفاف تحت قيادة موحدة، وفشل الجهود المتعددة الداعية للابتعاد عن الفصائلية وتشكيل جيش مقاومة موحد، كانت وما زالت السبب الأول لتغييبها عن غرف صناعة القرار الدولي في ما يتعلق بالشأن السوري الداخلي، وعلى الرغم من أنها ما زالت بالنسبة لأغلبية الشعب السوري صاحبة القرار الفصل في تحديد مصير ومستقبل الصراع في المنطقة، إلا أن المستجدات الأخيرة بما فيها التصعيد الروسي العسكري، وما تنذر به الأوضاع من احتمال تصعيد مشابه من الجانب الأمريكي وتضامن حازم من الطرف السعودي؛ يدفعنا إلى القلق حول مستقبل القيادات النزيهة والحرة في المقاومة الشعبية المسلحة، وخصوصا إذا ما قررت الاستمرار في المواجهة الفصائلية.
اجتماع المقاومة الشعبية المسلحة ضمن جيش واحد، يتبع قيادة موحدة، وله أذرعه السياسية والإعلامية الرسمية اليوم لم يعد حاجة وإنما ضرورة وواجب وطني تحتمه سلامة وأمن المقاومة الشعبية المسلحة بمختلف فصائلها ومكونتها.
ويجب أن نذكر أن استنجاد روسيا بحلفائها إيران والعراق لتدعم نفسها في فيينا مؤشر ضعف وهزيمة وضربها العشوائي للمعارضة الشعبية السورية حيثما وجدت لن يجدي نفعا وهو مؤشر آخر على غموض الرؤيا وضعف البصيرة، حيث افتقر الدب الروسي إلى الحكمة في رسائله، وأفلت من عقاله ليعيث في البلد تخريبا وتدميرا، ولا غرابة في أن نجد قردا فوق أكتافه يلعق العسل الذي يدمر الدب كل شيء ليصل إليه.
لقد بات العالم يتسلى بالدب والقرد في موسكو ونيويورك وجنيف وفيينا، لكن الشعب السوري لا يتسلى وسوف يكون رده مفحما على رسائل استضعفته وغيبته فهو من يقرر و هو من يحسم لأنه مالك الأرض وصاحب الحق الوحيد، ومن لا يصدق فلينتظر: إن غدا لناظره قريب.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي" عربي21"