قضايا وآراء

فلسطين .. إذ تحررنا

علي البغدادي
1300x600
1300x600
لم تخطئ القوى الاستعمارية في القرن الماضي عندما زرعت الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي، فمنذ تلك اللحظة وهذا الكيان يقوم بدوره تلقائيا في منع أي نهضة أو تقدم ممكن أن يضع هذه المنطقة على الخارطة الدولية.

ولم تخطئ أيضا هذه القوى؛ وهي تعمل -بالتزامن مع عملية زرع هذا الكيان- على تقسيم الأمة العربية إلى دول متفرقة حسب خرائط لم يكن للعرب أي دور في رسمها، وتاه العرب في هذه الخرائط بين من اعتبرها أمرا واقعا يجب التعامل معه بعد أن رفضها فترة وبين من اعتبرها نهاية التاريخ فآمن بها وتعصب لها وصالح وحارب على أساسها، ورغم مرور عقود على نشوء هذه الدول الوطنية إلا أننا لم نشهد دولة واحدة يمكن أن نقول إنها بدأت طريق التقدم والريادة.

فشلت الدولة الوطنية في بلادنا فشلا ذريعا في تحقيق الحد الأدنى الذي يتمناه المواطن العادي في دول العالم المحترمة، وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي اكتشفنا أنها دول هشة قابلة للتفتيت أيضا بعد أن فقدت مقومات السلم الأهلي، وأنها دول قابلة للاختراق لا تمتلك حصانة تحفظ وجودها نفسه ناهيك عن استقرارها ونموها.

حالة الفوضى التي تعانيها منطقتنا حاليا هي نتيجة طبيعة لأوضاع غير طبيعية، تسبب بها تقسيم هذه الأمة إلى دول ثم زرع كيان ممسوخ في وسطها برعاية دولية، تكون مهمة هذا الكيان منع أي خطوة تقدمية لهذه الدول، وتكون مهمة الدول الكبرى حماية هذا الكيان، وضمان عدم وصول أي قوة شعبية للحكم ممكن أن تغير هذه المعادلة.

ويبدو أن هذه المعادلة التي بدأ فرضها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى لم تعد تفي بالدور المطلوب، ولم تحقق لدولة (إسرائيل) الأمن الذي تريد، ولهذا بدأت تظهر خرائط جديدة يراد تطبيقها على المنطقة، وهذا ما كتبه الجنرال رالف بيترز في كتابه حدود الدم، بأن سبب مشاكل هذه المنطقة من العالم هو حدودها التي لم يتم تقسيمها على أسس طائفية وعرقية مما أدى إلى عدم الاستقرار، ولذلك يجب إعادة تقسيم المنطقة وفقا لهذه الأسس وحينها يكون وجود دولة يهودية بجانب دولة مارونية وعلوية وشيعية أمر طبيعي.

لم يكن رالف بيترز هو الوحيد الذي طرح خريطته فهناك خرائط أخرى مطروحة، وليس بالضرورة أن من يرسم هذه الخرائط لديه القدرة على تنفيذها بهذه الدقة، لكن لا يحتاج الباحث جهدا ليدرك أن العنوان الرئيسي المراد لهذه المنطقة هو (التفتيت)، أما التفاصيل ففيها أخذ ورد.

أمر مهم غاب عن وعي الشباب العربي عندما قام بربيعه الذي لم يهنأ به حتى تحول إلى خريف عاصف، وهو طبيعة الصراع الذي يجب أن يُخاض، وتحديد من هو العدو المتسبب في تأخر شعوبنا، وظن أنه بالإمكان بناء دول وطنية قوية تأخذ بطريقها إلى التنمية في ظل وجود دولة (سرائيل)، ولست هنا أقصد غياب الاهتمام بقضية فلسطين فقد شهدت الميادين شعار الشعب يريد تحرير فلسطين جنبا إلى جنب مع شعار الشعب يريد إسقاط النظام، لكن أقصد هنا غياب الرؤية المتكاملة التي تفهم طبيعة الصراع في المنطقة وأولياته، وضرورة القيام بثورة شاملة تهدم موروثات عهد الاستعمار بجميع أشكاله وصوره، وضرورة رفع السقف في مواجهة (إسرائيل) ومن يقف خلفها، فمن يريد أن يطالب بالحرية والعدالة يجب أن يعرف أنه لن يصطدم فقط بحكامه بل برعاتهم الكبار أيضا، فالحكام ما هم إلا أدوات وظيفية لخدمة مصالح (إسرائيل)، وبالتالي ينبغي أن ندرك أن منطقتنا بحاجة إلى مشاريع تحرير لا مشاريع حكم.

وواهم من يظن أنه يستطيع أن ينجح في إقامة دولة وطنية ديمقراطية قوية اقتصاديا ومؤسساتيا دون أن يصطدم (بإسرائيل)، وواهم أيضا من يعتقد أنه يمكن أن يحرر فلسطين دون أن يصطدم بمنظومة الفساد والاستبداد في بلده. فالمعركة واحدة ويجب أن تسير بالتوازي فلا تحرير دون دولة قوية ولا دولة قوية دون تحرير.

يجب أن يفهم المصري والعراقي والسوري واليمني أنه لا تقدم لبلده ولا نهضة إلا بتحرير فلسطين، وأنه لن تقوم في المنطقة دولة قوية ينعم بها هو وأبناؤه إلا على أنقاض (إسرائيل).
لكن هل يكفي رفع الشعارات الحماسية البراقة؟

إن مجرد التنادي بأن فلسطين هي قضيتنا المركزية لم يعد مجديا ولم يعد أمرا واقعيا أيضا، ففلسطين الآن
ليست القضية المركزية لأي شعب عربي، والشعوب العربية منهكة بكوارثها المفجعة أو همومها اليومية، بل المطلوب هو قيام مشروع خريطة جديدة للمنطقة يقول فيها أهل المنطقة كلمتهم قبل أن تفرض عليهم خرائط الآخرين كما فرضت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فالدنيا لا تحب الفراغ، وهذه الحالة الفوضوية التي تمر بها الأمة كما أنها محنة إلا أنها تشكل فرصة لإعادة بناء المنطقة وفق طموحات ومصالح أهلها الذين لا قوة لهم إلا بوحدتهم، والفرصة الآن قائمة لإعادة تصويب الوضع الخاطئ.

إن المطلوب من عقول هذه الأمة ونخبتها طرح مشروع للمنطقة يطرح فلسطين بتفكير مختلف لا تكون فيه فقط القضية المركزية، بل المحرك المركزي الذي ينهض بهذه المنطقة كلها من خلال رؤية مستقبلية متكاملة تتناسب مع المنطقة، ويقدم قضية فلسطين كرسالة ملهمة للجميع، فوحدها قضية فلسطين هي القادرة على مواجهة مشروع التفتيت بمشروع وحدوي يجمع هذه الأمة بمختلف مكوناتها الحضارية ووحده مشروع التحرير هو القادر على بناء أمة قوية قادرة على القيام بدورها ورسالتها.

إن أمة نخر فيها الفساد والاستبداد وغابت بها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وفتتها العصبية والطائفية، وأصبح قرارها يدار من خارجها لهي بحاجة إلى مشروع ثوري ينهض بها وينتشلها مما هي فيه، مشروع حضاري كبير له بوصلته الواضحة، وما سوى ذلك تضييع للوقت، وكما قال القائل: كنا نظن أننا سنحرر فلسطين فاكتشفنا أن فلسطين هي التي ستحررنا.
1
التعليقات (1)
عدنان ابومحمد
الإثنين، 26-10-2015 12:45 م
طرح رائع ذو واقعيه و رؤيه مستقبليه وفق الله كاتبه راجين ان يستمر بروائعه والله الموفق،،،