عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة، وجد اليهود يصومون يوم العاشر من المحرم، فسألهم عن ذلك، فقالوا: ذاك يوم نجى الله فيه موسى، وأهلك فيه فرعون، فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بموسى منهم، فأمر المسلمين بصيامه". ويصوم المصريون وغيرهم من المسلمين هذا اليوم، لكن هذا اليوم فيه درس مهم لكيفية القضاء على طاغيتهم، فينبغي ألا يمر علينا بصيامه عباديا فقط، دون التأمل في هذا الحدث المهم من جوانبه السياسية أيضا.
لقد أرسل الله عز وجل نبيه موسى لفرعون، ولم يكن لموسى أي مطالب تخص الشعب سوى مطلب واحد، قال فيه موسى لفرعون: (أن أرسل معي بني إسرائيل)، أي إعطاءهم الحرية، حرية التنقل من مكان لمكان، وهو ما يعني: أن أولى معارك الرسل مع قومهم: الحرية للشعوب، ولكن فرعون رفض ذلك، وأذل الشعب بكل ممارسات التنكيل، من قتل للأطفال، واستحياء للنساء، واستخفاف للشعب، (فاستخف قومه فأطاعوه)، ورفض منحهم ما نسميه بلغة العصر (تصريح سفر)، وعاقبهم بالمنع من السفر خارج البلاد، وسبحان الله كانت نهاية فرعون وعقابه على مبدأ: الجزاء من جنس العمل، فلما أغرق الله فرعون، كانت جثته أقرب للجانب الآخر، أي خارج مصر، لكن القرآن أخبرنا عن ذلك فقال: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية)، فكان من الممكن أن يغرق في البحر ويظل في قاعه، والبحر ليس من حدود مصر، أو على الشاطئ الآخر، وهو كذلك خارج حدود مصر، لكنه عوقب بما عاقب به الشعب، فرده البحر إلى بلده، رافضا منحه (تصريح سفر) حتى وهو جثة هامدة، لا حول لها ولا قوة!!
الدرس المهم في يوم عاشوراء وهلاك فرعون، هو لحظة هلاكه، ففي الوقت الذي شعر فيه عامة الشعب الهارب من ظلمه، أنها لحظة هلاكهم، (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) البحر أمامنا، وفرعون خلفنا، إن لم نمت بالسيف، متنا غرقا في البحر، (قال: كلا إن معي ربي سيهدين)، وهي لحظة يعيشها كل ثائر وصاحب حق، وتمر عليه، يشعر أنه ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، وضاقت عليه نفسه، عندئذ لا يكون له نجاة ولا ملجأ إلا بلجوئه إلى الله عز وجل، وهي نفس اللحظة التي لو تخيلنا موقف فرعون، وانتشاءه وفرحته وكبرياءه، فقد أمسك أخيرا بأعدائه، وبخاصة عند نزولهم للبحر بعد شقه بعصا موسى، أنهم في قبضة يده، كانت هذه اللحظة التي ظن فرعون أن الأمر قد استتب له، وأنهم في قبضة يده، كانت هي لحظة غرقه ونهايته، فلا يوهننا تأييد العالم لطاغية، ولا دعمهم الإقليمي والدولي له، بأن ذلك سينجيه من هلاكه وعقابه، بيد شعبه الثائر للحق، الرافض للظلم.
الدرس الأهم هنا في يوم عاشوراء، وعلينا تأمله سياسيا في حراكنا ضد الظلم، أن نجاة القوم من بطش الطاغية، وإغراق الله عز وجل له، كان بعصا، وكانت العصا في متناول أيديهم ويد نبي الله موسى، وهو ما يعني أن أداة النصر دائما، تكون في التفكير خارج الصندوق، وبحلول قد لا تخطر على بال أحد، لكنها سهلة وميسورة وبين يديك، فالعصا في يد موسى عليه السلام دائما، حيث قال عنها: (قال هي عصاي أتوكأ عليها، وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى)، ولم يتخيل أن من المآرب الأخرى التي ستكون للعصا هي إنهاء حكم طاغية، ملأ الدنيا بظلمه، كما أن الدرس الأبلغ هنا: أن الحل من داخل الثائرين المظلومين، وليس من خارجهم، فعند الاعتماد على النفس، وبأدواتك، وبإخلاصك، سيكون في ذلك خلاصك من الطاغية، فلنستلهم من عاشوراء الماضي، عاشوراء الحاضر، يوم هلاك كل طاغية في مصر وغيرها.
2
شارك
التعليقات (2)
momo
السبت، 24-10-201511:33 م
qq chose qu'on a pas vécu il faut pas la croire absolument,qui sait si moise n'a jamais existé
ثائر ... لكن جبان
الجمعة، 23-10-201502:32 ص
الله عليك با شيخ عصام ...
تحليل ولا أروع ...
والله إني أحبك في الله ...