ملفات وتقارير

الأردن يخضع التمويل الأجنبي للرقابة.. ومؤسسات تعتبره "استهدافا"

رئيسة مركز "تمكين" اعترضت على الآلية الجديدة واعتبرته "تدخلا سافرا" - أرشيفية
رئيسة مركز "تمكين" اعترضت على الآلية الجديدة واعتبرته "تدخلا سافرا" - أرشيفية
وجب على ما يقارب خمسة آلاف جمعية ومؤسسة مجتمع مدني في الأردن الآن السير في سلسلة إجراءات حكومية وموافقات لكي تتمكن من الحصول على تمويل أجنبي لمشاريعها، في خطوة اعتبرتها هذه المؤسسات "سياسية"، ومحاولة "لتقييد" عملها.

وتشير الأرقام الرسمية الأردنية إلى وجود 4869 جمعية تشرف وزارة التنمية الاجتماعية على 3353 جمعية منها، في حين يبلغ عدد الجمعيات التابعة للوزارات الأخرى كالتالي: "وزارة الداخلية 774 جمعية، الثقافة 701، التنمية السياسية 136 مؤسسة، البيئة 94، الصحة 73 جمعية، السياحة والآثار 33، الزراعة 22، الصناعة والتجارة 12، الأوقاف 8، العدل 5، والاتصالات 4 جمعيات".

واشترطت الحكومة الأردنية على هذه المؤسسات والجمعيات التقدم بطلب رسمي إلى سجل الجمعيات يتضمن موافقة السجل على التمويل، وتحديد مصدره، والشركاء المحليين لتنفيذ هذه المشاريع في القطاعات والمحافظات، وقيمة التمويل، وتفاصيل الحساب والحوالة، واسم البنك، واسم المشروع، وأهدافه المرتبطة بالأهداف التنموية الوطنية، ومكان تنفيذه والفئات المستهدفة.
 
مؤسسات مجتمع مدني: تدخل سافر وتقييد

من جهتها، قالت رئيسة مركز "تمكين"، ليندا كلش، إن هذه الآلية "تعد تدخلا سافرا في عمل مؤسسات المجتمع المدني"، متسائلة: "في حال عمل مؤسسة المجتمع المدني على مشروع ينتقد سياسة حكومية معينة، هل ستقبل الجهات المعنية هذا المشروع وتسمح له بالحصول على التمويل؟".

وقالت كلش لـ"عربي21": "هذا ليس تنظيما بقدر ما هو تقييد، ففي مؤسسات المجتمع المدني في الدول المتقدمة تُعلم الحكومات بوجودها، فعلى سبيل المثال في لبنان تعلم مؤسسات المجتمع المدنية الحكومة بتأسيسها فقط"، مضيفة أن ما حدث في الآلية الجديدة ليست رقابة فقط، إنما "تدخل سافر في مؤسسات المجتمع المدني وتعطيل لأعمالها"، بالإضافة إلى أنها "آلية غامضة، فهل هي تتعلق بالجمعيات التي تعمل مع السوريين فقط أم للجميع؟".
 
يشار إلى أن الحديث عن "الرقابة على مؤسسات المجتمع المدني" ومصادر تمويلها، واتهماها "بتنفيذ أجندات خارجية" بدأ في أروقة مجلس النواب الأردني قبل عام، عندما ظهرت مؤسسات متخصصة ترصد أداء النواب وتسجل غياب نواب عن الجلسات، ما أثار حفيظة نواب كالوا التهم لبعض المؤسسات.
 
النائب في البرلمان الأردني، عبد الكريم الدغمي، قاد حملة داخل مجلس النواب لإصدار قانون يراقب تمويل هذه المؤسسات، معتبرا إياها "أداة الدول الإمبريالية في تضييع الهويات العربية"، متطرقا إلى كونها تحاول زحزحة الشعب العربي عن ثوابته، وأن الدول المانحة تستخدم المؤسسات الموجودة في الدول النامية "أدوات لنشر أفكارها وتدمير المجتمع المحلي".

وقال النائب إن "منظمات المجتمع المدني توغلت في الأردن تحت ستار حرية التعبير، وعقد ورشات العمل في فنادق خمسة نجوم، وقاعات فاخرة".
 
من جانبه، استغرب رئيس مركز "هوية"، محمد الحسيني، هذه الاتهامات، مذكرا النائب الدغمي بأنه "سمح بتواجد المعهد الديمقراطي الأمريكي في مجلس النواب، ووقع معهم اتفاقية عندما كان رئيسا لمجلس النواب".
 
ويؤكد الحسيني في لـ"عربي21" أنه ليس هناك أجندات وراء التمويل، فإن "الممولين برامجهم واضحة ومنشورة، وكذلك ينشرون تفاصيل المشاريع التي يقومون بتمويلها، وتفاصيل شركائهم.. والعقود توثق الاتفاقيات".

وقال الحسني: "الجهات المانحة تقوم بالتمويل لسببين.. الأول هو جزء من مسؤوليتها تجاه الدول الأخرى، والثاني أن من مصلحتها وجود مجتمعات ديمقراطية، لكن الجهات المانحة ليست في سلة واحدة.. هناك اتجاهات متعددة، وهي تدخل شراكات بناء على التوافقات بين قيمها المعلنة وقيم الشريك المحلي".

"لكن الخطورة" -بحسب الحسيني- تكمن في "الجهات التي تمول سرا، وهذه يجب الوقوف عندها طويلا"، مضيفا أن هذا لا يشمل أي مؤسسة مانحة أوروبية أو أمريكية".
 
الجمعيات المحلية تسحب التمويل من يد الحكومة

وتضمّن قرار الحكومة الأردنية التأكيد على مرجعية وزارة التخطيط والتعاون الدولي واللجنة التنسيقية لشؤون المساعدات الإنسانية، واعتبارها مرجعية لأي طلبات تتعلق بتمويل خارجي يستهدف اللاجئين السوريين، وبرنامج خطة الاستجابة الأردنية، بما في ذلك المساعدات العينية والنقدية.
 
ويأتي ذلك بعد أن نشطت مئات الجمعيات الخيرية التي طرحت ذاتها بديلا عن الحكومة في تقديم المساعدات للاجئين. 

وترى الحكومة في بعض هذه الجمعيات "مصدرا للترزق على رقاب اللاجئين السوريين"، وعزز التوجه الحكومي قيام منظمات أممية -مثل برنامج الغذاء العالمي- بدعم جمعيات خيرية محلية بشكل مباشر، عوضا عن دعم الموازنة والحكومة الأردنية.
 
وقالت زيرة التنمية الاجتماعية، ريم أبو حسان، إن "الهدف من الآلية هو منع الازدواجية في تقديم الخدمة للفئات المستهدفة، والتحقق من الجهة الممولة، والتعرف عليها، فضلا عن ربط أي مشروع ممول بالأهداف الإنمائية الوطنية".

وتقول الحكومة الأردنية إن المجتمع الدولي لم يموّل أكثر من 35 في المئة من خطة الاستجابة التي وضعتها لمواجهة تكلفة أزمة اللجوء السوري، التي بلغت 2.9 مليار دولار. 

بدوره، قال وزير التخطيط الأردني، عماد فاخوري، إن الحكومة الأردنية تكبّدت منذ بدء الأزمة السورية ولغاية اليوم نحو 6.6 مليارات دولار، تكاليف مباشرة وغير مباشرة.
 
وأقر من جهته رئيس مركز "هوية" محمد الحسيني "بوجود جمعيات خيرية استغلت الأزمة السورية لاستقطاب التمويل"، مطالبا الحكومة الأردنية بـ"إحالة أي جمعية تدور حولها شبهات فساد مالي إلى القضاء، بدلا من سياسية العقاب الجماعي بحق مؤسسات المجتمع المدني".

وتشير إحصائيات سجل الجمعيات الخيرية إلى أن السلطات الأردنية قامت منذ بدء تدفق اللاجئين السوريين على الأردن في عام 2012 بحل 200 جمعية خيرية، لإخلالها بالأنظمة والقوانين المعمول فيها داخل المملكة.

ضبابية في الآلية الجديدة

وقال الحسيني: "يوجد ضبابية بخصوص نشر تفاصيل الآلية، لكن الواضح أن هناك أجنحة في الحكومة لا ترغب في وجود مؤسسات المجتمع المدني في الأردن".
 
وتابع بأن "الآلية الجديدة تنص على وجود شراكات فاعلة في مشاريع مؤسسات المجتمع المدني، والتخوف هنا هو من فرض الحكومة لجهات معينة على هذه المؤسسات". 

وأضاف أن "هذه التعليمات ليست جديدة، وستؤثر سلبيا، وتفتح باب التدخلات الحكومية بعمل مؤسسات المجتمع المدني، ما سيؤثر ذلك على نوعية مخرجات مؤسسات المجتمع المدني في الأردن، كما أن التحكم في تمويل هذه المؤسسات سيؤدي إلى هروب التمويل، وحرمان البلد من هذه الأموال التي تعود بالنفع على قطاعات الفنادق والمطابع، وتشغيل الأردنيين".
 
واستغرب عاملون في مؤسسات المجتمع المدني "ستثناء المنظمات غير الربحية التي يديرها أفراد من العائلة المالكة، التي أنشئت بقانون خاص، وتتلقى تمويلا أجنبيا كبيرا".
 
ويدير أفراد من العائلة المالكة جمعيات ومؤسسات غير ربحية، مثل مؤسسة "نهر الأردن"، التي تشرف عليها الملكة رانيا العبد الله، والصندوق الهاشمي، ومؤسسة نور الحسين، وصندوق تنمية البادية، وغيرها من المؤسسات.
 
ضربة قاصمة

بدوره، اعتبر مدير مركز "الفينيق" للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، الآلية الحكومية الجديدة "ضربة قاصمة للجمعيات والمنظمات، وأنها تعزز فكرة السيطرة على المجتمع المدني، وتحويله إلى مؤسسات حكومية تعمل ضمن توجيهات الحكومة".
 
وقال لصحيفة "عربي21": "هناك استفسارات على بعض الأنشطة في البلد، هذا لا ضير، فمن خلال التنسيق يتم تجاوز ذلك، أما إذا كان هناك حديث عن منظمات تمارس بعض الفساد، فهنالك مؤسسات حكومية تمارس الفساد أيضا، لكن لا يوجد أي دليل يشير إلى أن الفساد يمارس داخل المنظمات غير الربحية بشكل أكبر من المؤسسات الحكومية".

بينما دعا رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، في حديث لـ"عربي21" الحكومة الأردنية إلى عدم "فرض قيود، وتعزيز الإجراءات البيروقراطية التي تمنع المؤسسات المجتمع المدني من العمل بشكل مستقل، خصوصا أنه في سياق الممارسات المثلى يجب ألّا توافق الحكومات على المنح التي تأتي إلى مؤسسات المجتمع المدني".
 
مطالعة قانونية
 
من جانبه، أصدر المركز الدولي لقوانين منظمات المجتمع المدني (ICNL) المكتب الإقليمي للشرق، مطالعة قانونية للآلية الحكومية الجديدة، للحصول على التمويل الأجنبي من قبل مؤسسات المجتمع المدني.
 
ورأت المطالعة القانونية أن الآلية الجديدة "تفرض المزيد من القيود على نصوص تعدّ مقيدة أصلا، فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي للجمعيات في الأردن.
 
وقالت المطالعة إنه "في حال تم اعتماد مسودة نموذج طلب، فإن هذا سيشكل عبئا على موارد الحكومة المحدودة، إذ إن سجل الجمعيات يجب أن يخصص عددا كبيرا من الموظفين لمراجعة هذه الطلبات المفصلة والوثائق، والتأكد منها، وبناء عليه، فإن النموذج يشكل عبئا غير ضروري من حيث التكلفة على سجل الجمعيات والحكومة الأردنية".
التعليقات (0)