منذ حوالي العام فاز حزب "نداء تونس" بالانتخابات التشريعية في تونس. بيد أنه كان من الواضح أننا إزاء حزب تتركب قيادته من لوبيات متناحرة. كان التناحر في صمت لكن مؤخرا أصبح الدخان يتصاعد وبمنحى فضائحي بدائي وفيه الكثير من الحقد المتبادل. حزب يقترب من الانهيار أو "الهاوية" (وهذا تصريح أحد قيادييه ووزرائه المستقيل مؤخرا) ولم يقم حتى بمؤتمره التاسيسي. الأهم أن حصيلته في الحكم بعد عام تقارب الصفر، وهي نسبة النمو التي حققتها حكومته. وزير المالية لتبرير ذلك قال هذا الأسبوع أن الحكومة واجهت اضرابات وإرهابا ليسا من مسؤولية الحكم.
في الحقيقة واجهت حكومتي الترويكا ظروفا أصعب خاصة في الاحتجاجات الاجتماعية والحشد الإعلامي المعارض لكنها حققت بشكل متتالي نسب نمو تقارب الثلاثة والاثنين في المئة. حزب السبسي ادعى أن لديه كفاءات تشغل أربعة حكومات في أربعة دول لكن تبين أن ليس له الكفاءة حتى لتسيير نفسه.
لا يهم حقيقة ماذا يحصل لحزب هجين من هذا النوع. لكن المشكل أن ما يحصل له ينعكس مباشرة على الوضع العام للبلاد. الصراع الداخلي بين لوبيات متكالبة على السلطة انتهى إلى تبادل اتهامات خطيرة، وصلت حتى الإتهام بالإرهاب والفساد. ما يعني أن قياديي حزب حاكم يؤثرون حتى على مسار التحقيق في محاولة اغتيال أحد نوابهم. الحقيقة هناك حيرة: هل نحن إزاء مسار يمكن أن ينتهي إلى لبننة الوضع التونسي أم وضع مشابه لكولومبيا حيث العصابات تتقاسم السلطة مع السياسيين. هذا ما أوصلنا إليه حزب السبسي للكفاءات.
حتى رئيس الجمهورية أضحى حبيسا لمنطق الحزب الذي اسسه. في الليل يجتمع في قصر قرطاج بقياديي حزبه الغارقين في حرب استئصال متبادلة، وفي الصباح يحتفل مع مؤيدي حزبه وطباليه بعيد الجلاء. وعد أن يكون "رئيس كل التونسيين"، بيد أنه لم يرتق من رتبة رئيس حزب متهالك.
في هذا الخضم أطل الإرهاب برأسه ليزيد فضح هشاشة الدولة بسبب حزب السبسي. حصل اشتباك بين الجيش الوطني ومجموعة إرهابية؛ وهي الذراع المحلية لتنظيم "القاعدة" المسمى "كتيبة عقبة بن نافع". كان الضحايا كما هي العادة من أبناء الشعب المفقرين. استشهد جنود ينتمون إلى خلفيات اجتماعية فقيرة كما المرات السابقة لكن هناك متغير جديد هذه المرة حيث اعلنت المجموعة حملة لـ"اعدام الجواسيس". يقصد الإرهابيون هنا المواطنون القاطنين أو العاملين في الجبال من رعاة وحراس غابات. وفعلا قامت باعدام أحدهم، الشاب الفقير نجيب القاسمي.
اعدمت المجموعة الإرهابية الراعي الفقير بسبب "تعاونه مع الدولة"، وربما أيضا بسبب رفضه التعاون معهم. لم يحضر أي من المسؤولين على عكس ما كان يحدث زمن الرئيس المرزوقي الجنازة، إذ كان في كثير من الأحيان يحضر بنفسه الجنازة للتعبير عن دعم الدولة للعائلة والعناية بها. ما حصل هذه المرة لم يكن غيابا فحسب بل كان حضورا مذلا. مباركة القاسمي أرملة الرّاعي الشّهيد قالت لوسائل الإعلام: "مبعوث الوالي جابلي كيلو كسكسي وقارورة (دبّوزة) زيت و قلّي صحّح... حقروني وحقروا أولادي".
أحد أقارب الشهيد الجندي حسام حمدي علق: "تم مساء اليوم دفن الشهيد حسام حمدي في مسقط رأسه بالمالوسي مع غياب لمؤسسة الرئاسة أو الحكومة، وكذلك المجتمع المدني، وكذلك نواب الشعب الذين تحولوا إلى سوسة على أثر محاولة اغتيال سيارة رضا شرف الدين الجميلة ومن قبلها نزل الفقيرة إلى ربها زهرة إدريس. حتى الموت في وطني أصبح طبقيا بل أكثر من ذلك يتم تكريم اللصوص ووسمهم بالوطنية في المقابل يقبر أبطالنا في صمت عدا نحيب الأهل ولوعة الأمهات."
الرئيس يتعالى على جنائز شهداء الإرهاب رغم تلاعبه وتوظيفه الإرهاب في حملته الانتخابية. ويسارع إلى جنازات قيادات ممالك النفط وشعاره دائما للمزايدة في الوطنية: "تحيا تونس".
ماذا حقق الرئيس السبسي بالمناسبة في ديبلوماسية الجنازات هذه؟! الرئيس السابق المرزوقي لم يكن يحرص على حضور جنازات مواطنيه من الجنود والضباط بل حاول القيام بديبلوماسية عصرية جدية. حتى الآن يساهم بالدفاع عن مصالح بلده دوليا في "ملتقى كبار العالم" الذي نظمه الاتحاد الأوروبي منذ أسبوع حيث طلب اسقاط أو على الأقل إعادة استثمار ديون تونس وهو ما نجح فيه نسبيا سابقا: خلال رئاسة المرزوقي تم التفاوض والموافقة على تحويل ما يقارب 171 مليون يورو من ديوننا تجاه المانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكيا إلى استثمارات بتونس.
في اليوم الذي تم فيه قتل إرهابيين لجنود ومواطنين بعد أيام من محاولة اغتيال النائب رضا شرف الدين، تمت فيه أيضا حركة معتمدين تم فيها تعيين "كفاءات" حزب السبسي من بينهم شقيق المشرف على الدعاية الإعلامية في الحزب وهو بمستوى خامسة تعليم ثانوي، وتعيين آخر كان يعمل حارس في مأوى الحزب، وذلك قبل حوالي عام على الأقل من الانتخابات البلدية المرتقبة. في اليوم ذاته أيضا تم إعلان وفاة الشاب الذي حرق نفسه في صفاقس لرفض الوالي لقاءه.
في ذلك اليوم غابت برامج الهستيريا التي كانت تهيمن على شاشات المواطنين وتهرسلهم إلى الانتخابات الأخيرة في حالة حدوث عشر الأحداث اعلاه. لا أثر لخبراء الإرهاب مستوى خامسة إبتدائي أو خبراء "تحييد المرفق الإداري".
في المقابل بثت القناة "الوطنية" ("العمومية") برمجة معتادة حيث كان هناك حوار بضيف واحد: أمين عام حزب السبسي.
يعتقد هؤلاء أن التعتيم الراهن يساعد لوبيات الهيمنة. التعتيم في الحقيقة يقوي الشكوك تجاههم.
أخيرا يجب أن أختم بما يمكن أن يروح عن النفوس إزاء هذا الوضع السوداوي. والحقيقة لم أعد أعرف كيف يمكن التعليق على تصريحات وزراء الحزب الحاكم... آخرهم وزير النقل يقول : "وعن المضيفة المحجبة التي مُنعت من العمل في الخطوط الجوية التونسية، علّق الوزير بأن من أهم مهام المضيفات هو العمل على سلامة الركاب، في حين يقلل الحجاب من السمع بـ30 بالمائة، الأمر الذي قد يعرّض المسافرين إلى الخطر على حد تأكيده."
1
شارك
التعليقات (1)
عياد القابسي
الإثنين، 19-10-201512:33 ص
الشعب الذي ينتخب الفاسدين واللصوص والمجرمين ليس بالضحية بل هو متواطىء وشريك في هذه الجريمة، تقوم االدنيا ولا تقعد عند محاولة اغتيال رضا شرف الدين و تقعد الدنيا ولا تقوم عند قتل جنودنا و شعبنا في الحدود
الخزي لشعب دفن الحريةبعد ان احياها
اشتاق للعبودية التي لم يتذوق سواها
قطع الرأس ولكن بقية الاعضاء ابقاها
هذه المقابر بقدرة قادر اخرجت موتاها
افترضاه لاختك عجوز في التسعين قد يرعاها
اتكون اول من ينادي بالحرية واخر من يرعاها
ثلاثة وعشرون سنة وقصيدتي في منفاها
اكتبها ولا أخبر سوى نفسي على فحواها
كانت له أذان وراء الجدران التي بناها
منظومة تقمع الاقلام الحرة ولا ترعاها