تعاني ضواحي مدينة كراتشي
الباكستانية من انقطاع مزمن في
المياه يجعل سكانها تحت رحمة العصابات المحلية التي تؤمنها لهم في مقابل أثمان باهظة، في أزمة يحذر الخبراء من تفاقمها في ظل الانفجار
السكاني المتواصل والتوسع العمراني الفوضوي.
في ضاحية صادق أباد وغيرها من مدن الصفيح في مدينة كراتشي، لم تعد المياه تسري في الشبكة الحكومية التي تنتهي بصنابير عامة في الشوارع.
ويأتي هذا الانقطاع في المياه ليزيد من معاناة السكان في كراتشي، كبرى مدن باكستان، في ظل موجة الحر التي أودت بحياة أكثر من 1200 شخص.
وهو من نتائج التوسع العمراني الفوضوي والانفجار السكاني، ففي العقود الستة الماضية ارتفع عدد سكان كراتشي من 500 ألف نسمة إلى عشرين مليونا، واتسعت المدينة لتغطي مساحة توازي 33 مرة مساحة باريس.
وتضخ سلطات المدينة يوميا 2.2 مليار ليتر من المياه تجرها من نهر السند ومجار مائية توشك أن تجف بسبب انحسار الأمطار في السنوات الماضية.
لكن ذلك لا يكفي لتلبية الحاجة المحلية إلى المياه، المتزايدة بسبب قطاع صناعة النسيج الذي يشغل جيوشا من العمال، على غرار محمد صديق.
فهذا العامل وزوجته نايلة وأطفالهما الخمسة يعيشون من راتبه البالغ عشرة آلاف روبي شهريا، أي ما يعادل مئة دولار، ويقيمون في باحة تحيط بها جدران أسمنتية.
بين الحين والآخر، تؤمن الشركة العامة للمياه خزان الحي مجانا، لكنه سرعان ما ينفد، ويعود السكان للاعتماد على العصابات المسيطرة على أحيائهم وشراء المياه منها.
يدفع محمد 15 دولارا ثمنا للمياه شهريا، وهي ليست دائما صالحة للشرب.
وتقول نايلة: "هذه المياه ليست نظيفة، يمكن أن نستخدمها للغسل وللطبخ". وتضيف: "حين يشرب الأطفال من هذه المياه فإنهم يصابون بالإسهال"، ولذا فإنها وزوجها يضطران أحيانا للتخلي عن شراء الطعام، من أجل شراء المياه.
تحصل العصابات على المياه من خلال حفر أنفاق توصل إلى شبكة المياه الحكومية، وتنقل كميات منها إلى شبكات توزيع خاصة بها، بقوة السلاح، بحسب افتكار أحمد خان، المسؤول في الشركة العامة للمياه.
وتعمل السلطات على التصدي لهذا النشاط غير الشرعي، ففي الأشهر القليلة الماضية، تمكنت مجموعات مسلحة شبه حكومية من إقفال 200 محطة توزيع غير شرعي للمياه، وأجبرت أصحاب الصهاريج على ملئها من الشركة العامة للمياه بعد دفع البدل المتوجب، وهو دولار واحد أو دولاران عن كل ألف غالون، أي 3700 ليتر.
بعد ذلك، يبيع أصحاب الصهاريج المياه بأكثر من عشرة أضعاف في الضواحي الفقيرة الواقعة على بعد بضعة كيلومترات، وأيضا في الأحياء الراقية، وكذلك للمصانع.
ويقول نومان أحمد، أستاذ التخطيط العمراني في جامعة نيد: "المشكلة أن الأسعار لا تخضع للمراقبة"، وهو من سوء حظ السكان الفقراء وحسن حظ أصحاب الشاحنات الذين تدر عليهم أعمالهم ثروات كبيرة.
ومع أن المجموعات المسلحة التابعة للحكومة مستمرة بعملياتها لقمع المخالفات، فإن بيع المياه متواصل في كراتشي.
في مكان ناء من حي كورانجي، يثبت رجل يدعى عبد الله مضخة في أنبوب للمياه، ويبدأ الضخ إلى شاحنته.
يقسم عبد الله، الذي يعمل لحساب ضابط متقاعد، أنه يضخ المياه من جوف الأرض، وليس من شبكة المياه الحكومية.
ويشجع على الإقبال على هذه الأعمال الطلب المتنامي على المياه، والذي تزيد منه حاجات مصانع النسيج. وهي تستهلك مئات الملايين من الليترات يوميا.
ويؤكد أحد الصناعيين في المدينة لوكالة فرانس برس، طالبا عدم الكشف عن اسمه، أنه يدفع رشوة ليحصل على أقصى ما يمكن الحصول عليه من المياه، وأنه في حال حصول انقطاع حاد في المياه، فإنه يضطر إلى اللجوء لخدمات أصحاب الصهاريج.
يبدي السكان استياءهم من هذا الواقع ويتساءل عبد الصمد المقيم في متروفيل: "لماذا تقول الحكومة إن هناك انقطاعا في المياه فيما نحن نرى الصهاريج يوميا في حينا؟ من أين يأتون بهذه المياه إذن؟".
ومع توسع نطاق هذه الفوضى، لا يتردد بعض السكان في شراء مضخات خاصة بهم وسحب المياه من الشبكات الحكومية أو الخاصة.
ويحذر خبراء من انفجار الأوضاع في حال استمرار الأمور على ما هي عليه، من
جفاف في المياه الجوفية وارتفاع كلفة تحلية مياه بحر العرب، والارتفاع المستمر في عدد السكان، وصولا إلى 25 مليونا أو 30 مليونا في العام 2030 بحسب التقديرات.