قضايا وآراء

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.. خيار أم ضرورة؟

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600
انتفضت المرأة الفلسطينية دفاعا عن المسجد الأقصى..، فثارت دماء أبنائها الفتية أمثال مهند حلبي، وفادي علون، وحذيفة سليمان، وأحمد حامد، ووسام فرج، وثائر أبو غزالة.. حاملين حجارتهم المباركة، وسلاحهم الأبيض، رافضين سجل العار أو الإذعان لإرهاب الكيان الصهيوني، فانطلقوا مدافعين عن قدسهم في الخليل، ورام الله، ونابلس، وطولكرم، وجنين، والناصرة، وحيفا، واللد..، متجاوزين حاجز الخوف، وجدار الصمت المريب للسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس.

هذه الشرارة انطلقت في وقت ينشغل فيه العرب بحروبهم الداخلية سياسية كانت أم مذهبية، والسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" مشغولون بمفردات الخطاب "القنبلة" للرئيس محمود عباس الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي المناكفات الداخلية بين تيار محمد دحلان ومحمود عباس، ومن سيخلف الأخير بعد أن بلغ الثمانين عاما، ناهيك عن التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي ينخر كالسوس في الجسد الوطني عبر ملاحقة المعارضين سياسيا لخيار التسوية، والرافضين الإذعان للاحتلال الصهيوني.

على المقلب الآخر، فإن حركة "حماس" رغم استنزافها في الحصار على قطاع غزة، وفي الملاحقات الأمنية بالضفة، وتجفيف منابع تمويلها في العديد من الدول العربية والإسلامية، فإنها وجدت ضالتها في انتفاضة عنوانها القدس، انسجاما مع ذاتها وبرنامجها المقاوم القائم على الصدام وإدامة الصراع مع الاحتلال حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، تقديرا منها بأن الخيارات الأخرى كافة ليست ذا جدوى، بدلالة أوسلو العبثية والعابثة بالقضية الفلسطينية؛ حيث التفريط بالأرض، والعودة، والتساهل في ملف القدس والمسجد الأقصى إلا من كلمات للاستهلاك الإعلامي، دون إسقاطات تمنع عمليات التهويد والاستيطان الذي ينهش جسد الضفة الغربية.

هنا ومع تقديرنا عاليا لضرورة ووجوب الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى والحقوق الوطنية الفلسطينية بكل الوسائل الممكنة في مواجهة الاحتلال الصهيوني الغاصب، إلا أننا في ظل التباينات المحلية، والأزمات الإقليمية، والتبدل في أولويات السياسة الدولية، نجد من الأهمية بمكان طرح سؤال ـ قد يبدو غريبا لدى البعض ـ مفاده؛ هل من المصلحة راهنا الدفع باتجاه انتفاضة ثالثة؟

لمناقشة هذا الأمر، لا بد من الحديث في الإيجابيات المتوقعة والممكن حصادها باعتماد خيار الانتفاضة الثالثة..، كما يجب تسليط الضوء على التحديات التي قد تواجه هذا الخيار وتجعل منه خيارا صعبا ومكلفا مقارنة بالأهداف المرجوة.

أولا: النتائج المتوقعة لخيار الانتفاضة الثالثة، نذكر منها:
• استعادة القضية الفلسطينية لجوهرها كقضية احتلال غاصب لأرض، وشعب يكافح من أجل استعادة حقوقه الوطنية، والتذكير بأن القضية لم تمت رغم وضعها عنوة في ثلاجة أوسلو منذ نحو 22 سنة. وهذا يعني تربية جيل فلسطيني جديد على أصول العلاقة الثائرة ضد الاحتلال، برفض السلام الاقتصادي، ومحاولات التدجين، والتسليم بوجود الاحتلال.

• وقف الانتهاكات بحق المسجد الأقصى، وتأخير مشروع التهويد أو التقسيم الزماني والمكاني له. والتأكيد مجددا أن القدس خط أحمر، وأنها الصاعق الذي يشعل النار في وجه الصهاينة، ومن عاونهم، وهذا ما جعل نتانياهو يستدرك ويصادق على منع وزرائه وأعضاء "الكنيست" من الدخول إلى المسجد الأقصى، "تكتيكيا" لتخفيف حدة الغضب الفلسطيني.

• إحراج السلطة الفلسطينية، ودفعها لوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، مع استبعادنا لسيناريو حل السلطة أو شطب خيار التسوية في المدى المنظور، لأنه متعلق بمصالح وقناعات فئة فلسطينية متنفذة، بالإضافة إلى دول عربية وازنة حسمت خيارها باتجاه السلام مع الاحتلال الإسرائيلي.

• استعادة التوازن الوطني نسبيا للعلاقة بين حركة "فتح"، وحركة "حماس" والفصائل الأخرى؛ حيث  إن الانتفاضة الثالثة ستفرض على السلطة إعادة النظر في طبيعة وشكل علاقتها مع فصائل المقاومة، أخذا بسياسة التوافق عموما بدلا من سياسة التهميش والإقصاء والتنسيق الأمني مع الاحتلال كاستحقاق مرحلي؛ فليس واردا لدى حركة "فتح" الذهاب باتجاه الشراكة الحقيقية على أساس وثيقة الوفاق الوطني لعام 2006، وذلك استنادا للتجربة، وبناء على العديد من العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي لا يسعنا مناقشتها هنا.

• إحراج الدول العربية والإسلامية، وخاصة التي تتمتع بعلاقات سياسية أو تجارية مع الاحتلال، ودفعها لممارسة الضغوط عليه لوقف انتهاكاته بحق المسجد الأقصى تحديدا، وتخفيف حدة الحصار على غزة لامتصاص نقمة حركة "حماس" وفصائل المقاومة. وهنا نتحدث عن تخفيف للحصار دون رفعه لأن الحصار وسيلة مصرية كما هو وسيلة إسرائيلية لإضعاف المقاومة وتحجيم حركة "حماس"، التي تتعامل معها مصر كامتداد لحركة الإخوان المسلمين.

ثانيا: التحديات التي قد تواجه خيار الانتفاضة الثالثة:
• عزوف شرائح معتبرة من الفلسطينيين في الضفة الغربية عن المشاركة في الانتفاضة، ليس حبا في الاحتلال أو التنسيق الأمني، ولكن خوفا من الاستحقاقات المادية، والتضحيات البشرية، وحفاظا على مصالح شخصية وعائلية بنيت على وجود السلطة الناشئة عن خيار التسوية، هذا ناهيك عن حالة انعدام اليقين من مآلات الانتفاضة المنبعثة عن جسم سياسي فلسطيني منقسم على ذاته. فالناس وخاصة الجيل المتقدم في السن الذي عايش انتفاضتي الحجارة والأقصى، قد يقارن بين نتائج الماضي وما يمكن أن يحمله المستقبل..، ولعل هذا ما يفسر لحد الآن سر انحسار العمليات الفردية كطعن المستوطنين بالسلاح الأبيض على الشباب دون العشرين ربيعا، وغلبة المظاهرات على الفئات الجامعية بشكل أساس.

• ضعف بنية حركات المقاومة في الضفة الغربية نتيجة الاعتقالات المباشرة من الاحتلال، والتنسيق الأمني مع السلطة، وإغلاق مؤسسات المجتمع المدني المحسوبة على حركتي "حماس" و "الجهاد الإسلامي"..

• انشغال الحكومات والشعوب العربية بأوضاعها الداخلية، والأزمات الناتجة تحديدا عن تداعيات الملف السوري الذي يضع المنطقة العربية برمتها في عين العاصفة. وبالتالي هناك تخوف من أن يواجه الفلسطينيون مصيرهم منفردين أمام بطش الاحتلال، كما حدث في العدوان الأخير على غزة عام 2014. لا سيما وأن واقع الحال اليوم ينذر بذلك نظرا لسلبية العالم العربي والإسلامي طوال الأسبوعين الماضيين،حيث الصمت المريب والغياب المعيب لجامعة الدول العربية ولمنظمة المؤتمر الإسلامي وللجنة القدس، في وقتٍ شهدت فيه مدينة القدس ذروة الحراك الاستيطاني الهادف لتقسيم الأقصى زمانيا.

• ضعف أو تراجع علاقات حركة "حماس" السياسية مع المنظومة العربية التي يمكن أن تشكل شبكة أمان سياسي لها ولخيار الانتفاضة الذي تدعو له؛ كمصر، والسعودية، والأردن، وسوريا المنشغلة بنفسها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن تركيا وقطر كأصدقاء لحركة "حماس" من غير المتوقع أن يتجاوز سقفهما التأييد السياسي خطابيا لحقوق الشعب الفلسطيني، والدعم الإغاثي إنسانيا، فلكليهما أولويات إقليمية أخرى تتعلق بالوضع في سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان، وليبيا.

بلا شك أن أي خيار سيحمل بين طياته عوامل إيجابية وأخرى سلبية، وهنا على حركة "حماس" والقوى الفلسطينية كافة أن تجتهد في تحديد الأهداف الوطنية، المزمع تحقيقها من الحراك الجماهيري الغاضب والثائر في وجه الاحتلال آخذين بعين الاعتبار:

• واقعية الأهداف وإمكانية تحقيقها في ظل المعطيات الراهنة محلية كانت أم دولية، بعيدا عن العواطف والرغائب.

• اعتماد الوسائل والقوة المناسبة لتحقيق تلك الأهداف، دون المبالغة في الكلفة المادية والتضحيات البشرية..

على النخبة السياسية الفلسطينية أن تقود الرأي العام الفلسطيني، بتصويب طاقاته واستثمار إمكاناته في الاتجاه الصحيح، إن كان ذلك باسم انتفاضة القدس أو تحت أي شعار آخر، إدراكا منها أن ما يجري من حراك جماهيري ثائر في الضفة الغربية، إنما هو جولة وحلقة في الصراع المستمر مع الاحتلال الصهيوني، وإدراكا منها أن اليوم ليس بالضرورة شبيها بعام 1987 حيث انتفاضة الحجارة، أو شبيها بعام 2000 حيث انتفاضة الأقصى.
1
التعليقات (1)
طلال
الأحد، 11-10-2015 02:05 ص
الانتفاضة إجت في وقت متأخرا جدا لاكن لابدي أن نستغل الوضع الآن في الوحده الفلسطنيه وتشكيل قياده فلسطنيه تقود العمل الفلسطيني

خبر عاجل