من باراك هوسين أوباما إلى فلاديمير بوتين إلى علي خامنئي إلى الليكود العربي والعجمي بعملائه الموزعين شرقاً وغرباً: دم السوريين والعراقيين عليكم حلال، أليست حربكم ضد "الوحوش"مقدسة؟
المشهد اليومي إذاً استنساخ أمراء الحرب لشخصية البابا أوربان الثاني الغارق في أوحال العصور الوسطى، يوم وعد "المؤمنين بقداسته"بجنته، إن خاضوا غمار حربه الصليبية المقدسة لتخليص بيت المقدس من براثن "المسلمين الأشرار البرابرة". وعلى هذه الشاكلة بات النظام الدولي هو من يفرز الناس بين أخيار طيبين وأشرار إرهابيين، ويميز الحروب بين نبيل مقدس وإرهابي همجي غير مقدس.
سباق المصطلحات وإغداق الألقاب مع تطور وسائل الإعلام ومعها مستويات النذالة والانحطاط جد محتدم، ينافس فيه العبيد السادة في استهلاك تعابير الإرهاب والقداسة ليصعب التمييز بين الجميع، وليغدو الفرق بين سيد -أي حليف خارجي- وعميل محلي، كالفرق بين صاروخ موجه وبراميل متفجرة.
في حالتنا العربية لم يخطر ببال أكثر المتفائلين والمتشائمين أن تتسع جوقة الحليف الخارجي لجبهة كالمقاومة والممانعة في جانبها الميداني الضارب على الأرض السورية لتضم تناقضات روسيا والصين وإسرائيل -بل وكوريا الشمالية- بمعية التحالف الدولي الغربي- العربي بقيادته الأمريكية، بعد أن اقتصر الدور -بلا حياء- على غطاء سياسي أممي ودعم تسليحي لوجستي لكل ما لا يخطر على البال من أجناس ميليشيا القتل الطائفي من شتى أصقاع الأرض تبيد أهل البلاد أصحاب الأرض. ومن كان يظن أن ينقلب الدب الروسي بآلته العسكرية المتطورة وكنيسته الخرقاء المتهورة في حربه المقدسة -من حيث لا يدري- عميلا أمريكياً بلا كياسة؟ ومن كان يظن أن ينجح الأمريكي -على قاعدة "هيْتَ لك"- بتوريط الثنائي الروسي والصيني على خطى الإيراني بغزو سوريا، تماماً كما تم إغراء صدام حسين بغزو الكويت؟ هذا الاندفاع الروسي - الصيني - الإيراني صوب بريق الغنائم دون إدراك للهيب المغارم، هو ما قد يعمل على إضعاف جميع الفرقاء، بمن فيهم الإسلام الصاعد بنسخته التركية المتطورة أو بنسخته الشعبوية المتخلفة، لفائدة القوة الأمريكية الطامحة في استعادة عنفوانها كقوة وحيدة، بما يفوق خروجها منتصرة بموازين القوة من الحرب العالمية الثانية على حساب حلفائها ومنافسيها. صحيح أن الحرب العالمية الثالثة الدائرة في سوريا هذه المرة وبفعل التطور التقني وتغير المصطلحات وخرائط العالم الجيوسياسية تبدو مختلفة تمام الاختلاف عن سابقتها، إلا أن أميز ما فيها لعله تفردها كأضخم حرب وكالة دون كيشوتية عرفها التاريخ... حربٌ بتوافق عجيب بين لاعبيها الرئيسيين والفرعيين كقاعدة واسعة من المستفيدين، وإن بدا ميل ميزان المصالح المتشابكة مرحلياً للصالح الأمريكي. إذ لم يدخر هذا الأخير وسعاً في إجابة رغبة حلفائه الأوروبيين بنقل حلبة الصراع من حرب افتراق مصالح مع روسيا بأوكرانيا في العمق الأوروبي، إلى تصدير تلك الحرب وقولبتها كحرب التقاء مصالح مع روسيا والصين في منطقة أكبر أهمية من أوكرانيا من الناحية الاستراتيجية في العمق، رغم كل ما تمثله هذه الحرب من مخاطرة سيطرة الغريم الأزلي الروسي على غاز المتوسط بما يحرم -مجدداً- الغريم الأوروبي. وبالمقارنة مع توافق حلفاء الحرب العالمية الثانية -فيما مضى- بوجه قوة عظمى صناعية واقتصادية وعسكرية كألمانيا النازية، نجد توافق تحالف جحافل جيوش القوى العظمى النووية والإقليمية البرميلية الكوني -اليوم- لا يستهدف جيشاً أو قوة عظمى في الحقيقة، بل أمة ممزقة قوتها الضاربة فصائل ثورية متشرذمة، تحولت ثورتها السلمية -بعد قمعها- إلى مسلحة، وإن كان تعبير"مسلحة" بموازين الحرب العالمية الثالثة غير دقيق، فسلاح الثوار الخفيف لم يثقل وزنه سوى باليسير مما تم اغتنامه من قطعان جيوش الحشد الطائفي خلال سنوات حربها المقدسة في الجحيم السوري بين المراقد والقبور. المستهدَف بهذه الحرب المقدسة إذاً ليس داعش هوليودية على الطريقة الأمريكية، ولا حتى تنظيمات قاعدية يسهل تفكيكها عند استنفاذ أغراضها بفعل ولاءات خارجية واختراقات استخبارية، بل إرادة أمة لم ترهن قرارها بحسابات القوى الكبرى، فاستحقت عداء تلك القوى في منطقة هي القلب بالنسبة لمصالح تلك القوى. ولطالما اختار السوريون الثورة على واقع استبداد القوى الكبرى وأذياله الإقليمية في المنطقة، فلن تكون مهمة فصائل ثورتهم نزهة، بل صراع غير متكافئ لا يستهدف وجودها كفصائل فحسب، وإنما أرضها وإنسانها وحضارتها، بل ومستقبل يراد أن يخلو تماماً من آبناء الحضارة غير النقطة في الأرض المقدسة، يشهد على ذلك الكم الرهيب من الإجرام والتدمير والإبادة والتهجير بما يفوق الحربين العالميتين الأولى والثانية، لأن المطلوب هو استئصال شامل لا يبقي سنيا مقاوما أو غير مقاوم، وفي ساحة فضاؤها من إسطنبول -القسطنطينية- كما يحلم -على الأقل- دواعش الكنيسة الروسية، إلى بيت المقدس كما يحلم -على الأقل- دواعش الكنيسة الإنجيلية، وبين الإثنين مجدو ودابق مرتع الحرب الكونية -كما لا يخفي دواعش العلمانية الغربية... حرب مقدسة أوضح ما فيها -خلافاً لحرب روسيا الأفغانية- فرز صفوفها بعيداً عن الاستقطابات الدولية، فلا صواريخ "سِتنجر" أمريكية ولا مضادات جوية ببترودولارات نفطية يمكنها -هذه المرة- قضّ مضاجع الطائرات الروسية والأمريكية والغربية والعربية والصينية والإسرائيلية إذ تعبر أجواء السيادة الوطنية.
وفي المؤامرة الكونية، تجد العمليات الجوية الرئيسية بريشة روسية - أمريكية - عربية -إسرائيلية قد تتسع لتضم طائرات صينية، أما البرية فوحداتها الرئيسية روسية - إيرانية - شيعية - داعشية، والمجموع جبهة مقاومة وممانعة حقيقية بنكهة عالمية، لا يشبهها سوى تحالف 37 وثلاثين دولة غربية وشرقية وعربية لحرب العراق عام 1990. ومع ذوبان شيطان الكون الأكبر ومحور الشر الأكبر في بوتقة واحدة بوجه مكون سنّي أعزل، نرى رسالة المفارقة الساخرة للسُّنة واضحة:
منظومة أمن أعدائكم مقدسة
دماؤهم مقدسة
حروبهم مقدسة
أبقارهم مقدسة
أوطانكم مدنسة
عصابات حكمكم مؤسسة
أشلاؤكم مكدسة
بل و"حميركم"مقدسة.
قد تفوق تحديات اليوم إمكانات الفصائل السورية أن تذود عن شعبها بما يفوق إمكاناتها... تحديات تتطلب من الثوار تقديم أداء ميداني وسياسي واستراتيجي لا يحتمل خطأً، كما يتطلب تعلم الجميع من أخطائهم القاتلة منذ بدايات الثورة ومن بينها التشرذم والتقاطع والتقوقع والأنانية بما انعكس على هدر الكثير من التضحيات، مع مراجعة لحساباتها الاستراتيجية الأخيرة، ومن بينها تبعات اتفاق هدنة الزبداني الكارثية على تكامل الأدوار بين الفصائل الثورية؛ فصائل دافعت عن الزبداني ببسالة، وأخرى فتحت جبهات بمحيط العاصمة بما خفف العبء عن إخوانها -وإن لم يكن كافيا-، لينكشف ثوار محيط العاصمة، أما الحظر الجوي المؤقت فوق إدلب -كما نص الاتفاق- فلا قيمة له مع دخول مجازر الطيران الروسي على الخط.
خلاصة القول... إن أدركت الثورة السورية أهمية الوحدة وانتزاع قرارها بيدها بعيداً عن اختطافه على يد التنظيمات الوافدة العابرة، تكون قد وضعت لبنتها الأولى في مشروع "سوريا مقبرة الروس" كما كانت للمجوس. وما عدا ذلك تتوفر سوريا على الرجال ولا ينقصها سوى المال وبقدر سيل لعاب الجميع، بما فيهم المافيا الروسية التي تبيع كل شيء؛ فمن رقيق محلي إلى حشيش أفغاني إلى صدام عراقي إلى نووي سوفياتي عبر تاريخها الإجرامي الطويل، لن يعجزها بيع مضاد للطيران الروسي!
ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا. تُرى هل أدرك مخلصو أمتنا أنه طالما كانت حرب أوباما - بوتين -روحاني - نتنياهو - تشي وحلفاؤهما بسوريا مقدسة، فإن قداستها تلك لن تقتصر على سوريا وحدها، بل قد تتعداها صوب كل بقعة صدّرت لسوريا جحافل مغفلة أوهَمت بأن حربها مقدسة، وصوب كل بقعة تم احتلالها من تلك الجحافل على أنها مقدسة، كالأحواز إوبلوشستان والقوقاز وتركستان، وأينما رفع برابرة البراميل المتفجرة شعار تلك الحرب على أنها هي الأخرى مقدسة.
3
شارك
التعليقات (3)
وردة الشام
الأحد، 25-10-201511:55 م
كلام يحتاج الى تامل
"تحديات تتطلب من الثوار تقديم أداء ميداني وسياسي واستراتيجي لا يحتمل خطأً، كما يتطلب تعلم الجميع من أخطائهم القاتلة منذ بدايات الثورة ومن بينها التشرذم والتقاطع والتقوقع والأنانية بما انعكس على هدر الكثير من التضحيات، مع مراجعة لحساباتها الاستراتيجية الأخيرة، ومن بينها تبعات اتفاق هدنة الزبداني الكارثية على تكامل الأدوار بين الفصائل الثورية"