قضية الطالبة المتفوقة مريم ملاك تعكس مستوى الفساد في مصر

نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول الشابة المصرية مريم ملاك، الطالبة المتفوقة التي فوجئت بحصولها على أعداد متدنية جدا في امتحان الشهادة الثانوية، لتفاجأ بعد ذلك باختفاء أوراق امتحانها، وهو ما أثار مرة أخرى قضية تفشي الفساد في مصر ووصوله إلى جميع القطاعات.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن مريم أصبحت رمزا لضحايا الفساد في مصر، فهذه الطالبة في الثانوية العامة، التي تنحدر من عائلة محافظة من مدينة المنيا، توصف بالجدية وحسن الخلق، وبتفوقها الدراسي في جميع الامتحانات، حيث حصلت في السابق على مجموع 97 من أصل 100، مسجلة بذلك رقما قياسيا في مصر.

وقالت الصحيفة إن اختبارات الثانوية العامة في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وهي الخطوة الأخيرة قبل دخول الجامعة، شهدت حصول هذه الطالبة على معدّل صفر، وهي أسوأ علامة يمكن لطالب الحصول عليها، وهي صدمة كفيلة بجعل هذه الفتاة تتنازل عن أحلامها بدخول كلية الطب.

ولكن مريم تمسكت بحقها في التثبت من علاماتها، معتبرة أن ما حصل لها إما أن يكون خطأ إداريا أو هي حالة فساد وتحايل.

مريم تخوض معركة قضائية في المحاكم المصرية منذ شهرين، حتى تنصفها العدالة وترجع لها حقها المفقود. واعتبرت الصحيفة أن مثل هذه الحادثة لو كانت في بلد آخر لأحدثت صدمة ودفعت لاتخاذ إجراءات عديدة، ولكنها في مصر لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه، نظرا لكثرة الفساد والرشوة، حتى أصبحت مثل هذه الفضائح أمرا غير مستغرب.

وقالت الصحيفة إن ما وقع على الأرجح هو تغيير أوراق امتحان هذه الطالبة، بأوراق أحد زملائها الفاشلين في الدراسة، من أبناء رجال الأعمال الفاسدين أو أحد رجال السياسة. وأضافت أن الرأي العام بدأ يتفاعل مع هذه القصة، بعد ظهور مريم في البرامج الحوارية على القنوات التلفزية، ونشاطها المكثف على شبكات التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت هذه الفتاة ذات تسريحة ذيل الحصان والنظارات المستطيلة؛ أيقونة للنضال ومحاربة الفساد.

وذكرت الصحيفة أن وزارة التعليم المصرية قالت إن مريم قدمت أوراق الامتحان بيضاء بسبب إصابتها بحالة رهاب مفاجئة منعتها من الكتابة، لكن أسرة الطالبة تؤكد أن النسخ كانت سوداء من كثرة ما كتب عليها.

وقد قامت الفتاة في شهر آب/ أغسطس باختبار التعرف على الخط، بمعهد الطب الشرعي بأسيوط؛ من خلال المقارنة بين أوراق الامتحان المنسوبة إليها وأوراق أخرى مكتوبة بخط يدها، وكانت الصدمة كبيرة لمريم، حيث أكد الطب الشرعي تطابق خط الفتاة مع الخط الموجود على أوراق الامتحان التي تحصلت على صفر.

وذكرت الصحيفة أن مريم تعيش في حالة صدمة، وقد انقطعت عن الطعام منذ فترة بسبب الحزن الشديد، وتم نقلها إلى أحد المستشفيات للخضوع للعناية المكثفة؛ فهذه الامتحانات تمثل  في مصر محطة مهمة جدا تحدد مستقبل الطالب بعد المرحلة الثانوية، والأولياء يدفعون مبالغ خيالية من أجل الدروس الخصوصية، حتى يضمنوا لأبنائهم درجات مميزة تؤهلهم لدخول جامعات مرموقة أو على الأقل "جامعات محترمة".

وأضافت الصحيفة أن الفتاة شنت هجوما لاذعا على الجهات الحكومية التي تتعامل مع قضيتها بلا مبالاة، أثناء ظهورها في أحد برامج التلفزيون، وأعلنت طعنها في الاستنتاجات التي خلص إليها الخبراء ودعت لاختبار جديد، وقد حظيت بتعاطف كبير من قبل الرأي العام، وتم إنشاء صفحات على الفيس البوك ونشر تغريدات على التويتر تضامنا معها.

وقالت الصحيفة إن الفتاة رفضت قبول استنتاجات الطب الشرعي، الذي  لا يحظى بأي مصداقية في مصر، بعد أن سبق له المشاركة في تزوير شهادات الوفاة لتبرئة رجال الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين.

كما مثلت الحادثة فرصة ذهبية لبعض وسائل الإعلام المصرية حتى تكيل الانتقادات لأداء الحكومة، في محاولة منها للتغطية على خنوعها التام أمام الجيش والجنرال عبد الفتاح السيسي. وذكرت الصحيفة أن رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، الذي تمت إقالته قبل أيام إثر فضيحة فساد تورط فيها وزير الفلاحة، قابل مريم ملاك ووعد بدعمها، وقال حرفيا "سأساعدها كما لو كانت ابنتي".

كما أن بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تواضروس، وهي الكنيسة التي تنتمي إليها مريم ملاك، عرض تقديم خدماته، لكن الفتاة مريم رفضت ذلك لاعتبارها أن الحادثة لا تمثل تمييزا دينيا.

كما أضافت الصحيفة أن الطالبة رضوى محمد علي، هي الأخرى تحصلت على صفر في امتحانات الثانوية العامة في الإسكندرية، وقد بدأت هي أيضا بتسليط الضوء على قضيتها، في حين تظاهر مجموعة من الطلبة أمام مكتب وزارة التربية والتعليم، للتنديد بالفساد الذي تفشى في الإدارة، وهو ما اعتبرته "لوموند" خطوة شجاعة ومهمة، بالنظر للوحشية التي تظهرها الشرطة المصرية عادة في قمع الاحتجاجات.

وفي الختام قالت الصحيفة إن قضية الطالبة مريم الثائرة سيتم غلقها عما قريب، خاصة أن الاختبار الثاني لخط اليد، الذي أجري في منتصف أيلول/ سبتمبر، أكد للمرة الثانية تطابق خط الطالبة مع الخط الموجود بأوراق الامتحان.

ولم يبق من أمل إلا أن يقوم السيسي باقتناص الفرصة لتحريك هذه القضية وتحقيق مكاسب إعلامية من خلال الظهور بمظهر الحازم مع الفساد، وهو ما فعله عندما قام بتسريح رئيس الوزراء بجرّة قلم.