مهم جدا، تفسير كامل الظواهر الجديدة في المشهد السوري، فالأزمة السورية بدأت بالفعل بالانحسار وفق الطريقة الإسرائيلية للحل، ومهم أيضا أن نفهم أن قضية استقبال اللاجئين السوريين في أوروبا هي جزء من الرؤية الإسرائيلية للحل، وهي رؤية تقوم على قاعدة – تحريك جغرافي على الأرض- تتم بموجبه عمليات ترحيل للطوائف والأعراق والأقليات، وتجميعها باتجاهات مختلفة، وتهجير أكبر قدر ممكن من العرب السنة، أو وضعهم ضمن مربعات طائفية لكي يكونوا تحت السيطرة، والانطلاق نحو إعادة تركيب كل من سوريا ولبنان والأردن ومصر على أساس طائفي وعرقي محض، ما يجعل إسرائيل دولة الأقلية الوحيدة، هي دولة قائمة في وسط مجموعة من الأقليات العرقية والدينية وغيرها.
تساهم بالطبع في هذا الجزء إيران، التي تعي تماما تفاصيل المشهد السوري، لذلك هي تقوم بالمساعدة في جلب قبائل أفغانية وباكستانية لسوريا وتتم أيضا من خلال عمليات التغيير الديموغرافي، والتي بدأت عمليا تتضح علنا، من خلال التفاوض الإيراني على خطوات عمليات تبادل قرية الفوعة بسكان الزبداني، وهو ما كانت صورته أوضح من خلال طرد مئات العائلات من أحياء بساتين المزة من قلب دمشق، تمهيدا لمشاريع توطين على شاكلة المستوطنات التي أنشأها الأسد الأب في محيط المدن السورية فيما كانت تسمى مساكن الضباط وغيرها، وهي عمليا نسخة عن المستوطنات الإسرائيلية، التي كانت تقوم إسرائيل ببنائها لسلب الفلسطينيين أرضهم ببطء، كما حدث عندما قام النظام سابقا بمصادرة 10 ألاف دونم، من أراضي المعظمية في الغوطة الغربية، لقصد إقامة مستوطنات للقادمين الجدد من الساحل السوري.
الشعب السوري يعيش مسألة ترحيل من أرضه منذ أربعين عاما، وهي تماما المعادلة التي بدأ إكمال فصولها في موجة الترحيل الأخيرة صوب أوربا. ولهذا لا تريد أمريكا إقامة أي منطقة آمنة لحماية السوريين، في الشمال، وأما الخطة الحقيقية فهي فرض منطقة أمنة في الجولان، وهذه المنطقة تريدها إسرائيل، التي تريد ترحيل الدروز من السويداء على القاعدة ذاتها، التي تريد تحريك الطوائف، وهدف إسرائيل القادم هو فرض منطقة على شاكلة جنوب لبنان في أيام سعد حداد وانطوان لحد، لذلك بدأت في السويداء خطوة التخلص من القادة الذين يريدون بقاء المدينة بعيدة عن الصراعات، ولهذا تمت تصفية المناضلين من أمثال الشيخ البلعوس.
في هذه المعادلة أيضا هناك الشعب الفلسطيني الذي غادر مخيمات عديدة في سوريا، ولن يسمح النظام بعودته إليها، فخيارات الفلسطينيين هي بالرحيل عن سوريا، أو تصفيتهم، وبما أن الخطة التصفوية لم تصبح علنا بعد على طريقة البوسنة والهرسك، فالنظام معني ببقاء رموز ومكاتب فلسطينية في دمشق، لكن هذا الوجود مؤقت، وعندما يأتي الفصل الأخير من المشهد السوري، سيكون الوجود الفلسطيني في دمشق، شبيه بظروف البوسنة لحظة بدء المجازر، أي تحت النار المباشر.
وأما في عموم مدن الشمال، فكثيرون لا يعلمون طبيعة الإصرار على تدميرها، وبالذات مدينة حلب، فهذه المدينة الرائعة وقفت مطلع الثمانينيات لكي تفك الحصار الاقتصادي عن سوريا، وكان يومها حافظ الأسد لا يجرؤ على المساس بحلب، فقامت هذه المدينة بصناعة كل ما يلزم للسوريين، بما فيها أغلب قطع السيارات الحديثة، ولأن الأسد الأب كان يعيش آخر أيام حماة، لذلك سكت عليهم، ثم أطلق عليهم برامجه المعاكسة، وفرض جيشا من ضباط المخابرات ليكونوا شركاء رأس المال في حلب، وتم ضرب القطاع الاقتصادي هناك من خلال تخريب الجودة، وانهى الأسد هذه الظاهرة بإغراق حلب في صناعات ثانوية لا قيمة اقتصادية لها، وهكذا انتهت حلب، من مدينة تنافس فرنسا وإنجلترا في الصناعات النسيجية، إلى مدينة تبحث عن مشترين لبضاعتها على الأرصفة.
الطريقة الإسرائيلية للحل هي تدمير سوريا وتشتيت شعبها، وإنهاء الشتات الفلسطيني في سوريا ولبنان، لذلك علينا أن ندرك من الآن، ماذا يريدون صباح اليوم التالي.
1
شارك
التعليقات (1)
مثنى ابو عمر
الأربعاء، 16-09-201509:46 ص
شكراً لك، وفعلاً إن كان هذا هو السيناريوالمنتطر لسوريا فستكون الأمور غاية في الصعوبة بمكان إن لم نقل بالسوء. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم