كتب هشام ملحم: تواجه
أوروبا اليوم أكبر مشكلة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، ويلتقي الجميع على أنها مرشحة للتفاقم، والتسبب بأزمات داخل دول
الاتحاد الأوروبي وفيما بينها.
الاتفاقات التي تتحكم بالتنقل بين دول الاتحاد والقوانين المتعلقة بكيفية منح
اللجوء السياسي ليست مصممة للتعامل مع مثل هذا التحدي.
أوروبا بدأت بمراجعة هذه القوانين، على خلفية تفاوت كبير في مواقف دول الاتحاد من كيفية استيعاب اللاجئين، بين الذين يريدون الترحيب بعدد كبير منهم، والخائفين من اختراق "إسلامي" لمجتمعاتهم.
معظم اللاجئين هم عرب ومسلمون من
سوريا والعراق. أكثر من 300 ألف منهم عبروا المتوسط إلى اليونان وإيطاليا، في طريقهم إلى أوروبا الأغنى والأكثر تسامحا في الشمال (ألمانيا والدول الإسكندنافية)، وغرق منهم 2500، أضيف إليهم الأسبوع الماضي 150، بينهم أطفال سوريون لفظهم البحر على
شواطئ ليبيا.
آلاف آخرون يزحفون برا من اليونان إلى وسط أوروبا وشمالها. في الأسبوع الماضي، اختنق 71 لاجئا في شاحنة مغلقة في النمسا، وبدأت جثثهم بالتحلل قبل اكتشافها.
حال الذين يصلون إلى أوروبا صعبة ومؤلمة ومهينة، لكنهم وصلوا إلى برّ الأمان، مقارنة بأكثرية المقتلعين، وخصوصا من سوريا، والمتوزعين بين لبنان والأردن وتركيا والعراق.
أنماط اللجوء تبين أن معظم اللاجئين لا يعودون إلى ديارهم. وسوف تكتشف مجتمعات المنطقة، بعد 20 سنة، أنها أمام جيل ناقم ومحروم من الشباب المقتلعين الرافضين للوضع القائم.
الفلسطينيون الذين اقتلعوا في 1948 حملوا السلاح بعد 20 سنة. وهذا يعني أن مشكلة اللاجئين اليوم، ليست مشكلة إنسانية فحسب، بل سياسية بامتياز، وحلها يتطلب مشاركة دول الجوار والغرب؛ لأنه من الواضح الآن أن حرائق سوريا والعراق واليمن لا تعترف بالحدود الدولية.
تتعرض الدول الأوروبية لانتقادات من دول عربية، ومن أمريكا أحيانا، لتخبطها في استيعاب اللاجئين، وبعض النقد مبرر وجزء كبير منه خبيث.
ولكن ما هو عدد اللاجئين السوريين الذين استوعبتهم الولايات المتحدة حتى الآن؟ الجواب: أقل من ألفين. أما عدد اللاجئين الذين استضافتهم دول الخليج الميسورة، فالجواب: صفر كبير.
خبر ضحايا الشاحنة في النمسا، ذكرني برواية غسان كنفاني "رجال في الشمس". قصة ثلاثة فلسطينيين اختبأوا في صهريج وهم يحاولون عبور الحدود إلى الكويت في يوم حار. تأخرهم على الحاجز أدى إلى اختناقهم. وعندما رماهم مهربهم في مجمع القمامة تساءل بهلع: "لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقولوا؟ لماذا؟".
هل لأنهم قرروا الانتحار بصمت وببعض الكرامة؟ ربما. ترى هل دق ضحايا الشاحنة في قلب أوروبا على جدرانها؟ وإذا لم يفعلوا، لماذا؟ لماذا؟
(عن صحيفة النهار اللبنانية، 2 أيلول/ سبتمبر 2015)