صباح الأحد 23 أغسطس عاد المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ إلى مسقط حاملا وجهة النظر الحكومية لحل الأزمة
اليمنية وعرضها على الجماعة الحوثية التي تتخذ من مسقط مقرا آمنا لها.
ومسقط هنا، لن أتحدث عنها كجزء من مؤامرة تحاك أو تواطأ مفترض، فلعلها تُرِكتْ لتكون همزة وصل، ومنفذ للحلول السلمية مع الجماعة الحوثية، فالعاقل لا يغلق كل المنافذ مع عدوه، بل يترك أبواب السياسة مواربة، وحسب علمي أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم يغلق سفارة طهران في بلاده طيلة سنوات حربه مع إيران.
"ولد الشيخ" جاء الأربعاء 19 أغسطس إلى الرياض للقاء القيادة اليمنية الشرعية وعرض نقاط
الحوثيين العشرة عليها، وهناك وجد تعاطيا سياسيا مثمرا من الحكومة اليمنية التي لم ترفض مبادرة الحوثيين ولم تقبلها إنما قدمت وجهة نظر معقولة ومسئولة من عدة نقاط، تمثل في مجملها مخرجا آمنا لليمن، وتلقي بكامل مسئولية التأخير أو التباطؤ في التنفيذ على قادة مليشيا الحوثي وصالح.
واللافت هنا المساعي الحثيثة للمبعوث الأممي التي تزداد نشاطا وحيوية كلما اشتد الخناق على الجماعة الحوثية وتوالت هزائمهم، وأغلقت بوجهها الخيارات، وحين يكون التقدم لهم على الأرض، يجمد المبعوث الأممي نشاطه، ويعمل بجهد المُقلّ.
مبادة الحكومة اليمنية وضعت في صدارتها إلزام مليشيا الحوثي وصالح بتنفيذ كامل القرار الأممي 2216 دون قيد أو شرط.
والخروج من كامل مؤسسات الدولة وعدم الاكتفاء بمغادرة المؤسسات الخدمية فقط، كما أرادت مبادرة الحوثيين.. والانسحاب من جميع مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية يكون في جميع المدن والمحافظات وفي مقدمتها صعدة وصنعاء، وتسليمها إلى الحكومة الشرعية بالتزامن مع وقف شامل لإطلاق النار خلال 15 يوما قابلة للتمديد.
وتريد الحكومة الشرعية تأمين حياة الشعب اليمني وتنزع المخاوف التي ستظل تهدد مستقبله كقنابل موقتة، وذلك من خلال اشتراطها "وجود مراقبين عسكريين تابعيين للأمم المتحدة يشرفون على حل مليشيا صالح والحوثي"، وبذلك يمكنها البحث عن صيغ سياسية للحلول دون استقواء طرف بسلاحه أو قوته، ويمكن لليمنيين أن يبحثون عن دولة مدنية لا مكان فيها لحزب الله بنسخة يمنية، إنما البحث تحت سقف الدولة الضامنة للحقوق والحريات.
ووجود طرف سياسي بذراع عسكرية هو الخطر الحقيقي على بنية الدولة القادمة وسيجعلها عرضة للتهديد والسقوط في أية لحظة، فقد أسقط حزب الله بيروت بساعات قليلة، ومثله فعل الحوثيون في 21 سبتمبر الماضي، ولهذا وضعت المبادرة الحكومية نصا واضحا وجليا لنزع سلاح الجماعة الحوثية، يؤكد على "تسليم كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والصواريخ والقطع الجوية والبحرية ومخازن السلاح والمعسكرات للحكومة".
على العكس من نص المبادرة الحوثية التي حملها ولد الشيخ للحكومة الشرعية في الرياض، فرؤية الحوثيين تقول: "تلتزم كل الأطراف بتسليم السلاح الثقيل إلى الدولة وفقا لمخرجات الحوار الوطني".. وهذا النص المفخخ يتحدث عن أطراف متعددة، خلافا للمعلوم بأن الحوثيين وحدهم من يمتلكون الدبابة والمدفع والصاروخ، ثم أن النص لم يتحدث عن السلاح المتوسط وهو الأخطر في حروب المليشيات وحروب العصابات، ونقطة ثالثة ماذا يعني أن يكون التسليم وفقا لمخرجات الحوار، هل يريد الحوثيون المماطلة والتسويف أم الانزلاق أولا إلى الجانب السياسي ووقف إطلاق النار، ومن ثم البحث عن مخارج سياسية، ومخابئ جغرافية للسلاح.
وتاليا جاءت في شروط الحكومة الإفراج عن جميع المعتقلين، وفي مقدمتهم وزير الدفاع محمود الصبيحي، وعدم إعاقة جهود الإغاثة الدولية، واستئناف العملية السياسية، والدعوة لعقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار".
جرت عادة الدلال للجماعة الحوثية أن يتم تغييب صعدة من كل مبادرة واتفاق وكأنها أصبحت مقاطعة بملكية الجماعة الحوثية، وهي بيت الداء والخطر الذي يهدد الدولة اليمنية، ففيها تستقر قيادة الحوثيين ومخازن سلاحها، وميادين تدريبها، وأماكن حريتها ونشاطها، وعقد لقاءتها، وساعدها في ذلك أنها في أقاصي شمال الشمال على بعد قرابة 400 كلم شمال العاصمة وعلى تماس مع الحدود الجنوبية للسعودية، وعادة ما يَسُهلُ لها استقبال الأسلحة الإيرانية التي تُنقل إليها من سواحل اليمن الغربية ثم تشق طريقها ليلا إلى صعدة.
لقد آن الوقت أن تعود صعدة إلى حضن الدولة اليمنية وأن يتم الالتفات إليها، وتحصينها من محدقات الشر الكامن في السلاح والفكر الإيرانيين، وحان كذلك وقت إعمارها، ولا أظن الجماعة الحوثية ترغب بشيء من هذا، فهي لا تريد صعدة إلا منطلقا لها ومخزنا لسلاحها، ولذلك عرقلة كل الجهود والحلول لقضية صعدة خلال كل جلسات مؤتمر الحوار الوطني.
[email protected]