المباحثات التي أجراها حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية أخفقت في التوصل إلى تفاهم لتشكيل حكومة ائتلافية. وكان اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ورئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي يوم الاثنين، آخر محاولة، غير أن رئيس الحركة القومية رفض جميع الخيارات والاقتراحات.
التصريحات المتناقضة التي أطلقها باهتشلي منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية دفعت الكثيرين في الشارع التركي لطرح هذا السؤال: "ماذا يريد حزب الحركة القومية؟".. لأن مواقف باهتشلي المتقلبة والأسباب التي تقف وراءها والأهداف التي يريد أن يصل إليها من خلالها لا يمكن فهمها بسهولة.
باهتشلي، مساء السابع من حزيران/ يونيو الماضي في أول تعليق له على النتائج الأولية للانتخابات، صرح أمام الكاميرات وحشد من مؤيدي حزبه، بأن الخيار الأول والأفضل لتشكيل الحكومة هو تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعوب الديمقراطي، بحجة أن الحزبين تتطابق آراؤهما بشأن عملية السلام الداخلي. وأما الخيار الثاني الذي ذكره فهو مشاركة كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي في تشكيل حكومة ائتلافية. وفي تلك الكلمة التي ألقاها باهتشلي وسط تصفيق مؤيدي حزب الحركة القومية، أكد أن حزبه مستعد لتولي دور الحزب المعارض الرئيس في البرلمان التركي، ورحَّب بالانتخابات المبكرة في أقرب وقت ممكن إن لم ينجح أي من الخيارات في تشكيل حكومة ائتلافية.
رئيس حزب الحركة القومية، بعد أيام من هذه التصريحات التي أغلق فيها باب المشاركة في أي حكومة ائتلافية، تراجع عن هذا الموقف الصارم وفتح الباب لمشاركة حزبه في الحكومة بشروط.. إلا أن الشروط التي قدَّمها كانت تعجيزية لا يمكن أن يقبلها حزب العدالة والتنمية. وفي إحدى تصريحاته، شدَّد على أن حزب الحركة القومية مستعد لتحمل مسؤوليته حتى لا تبقى تركيا بلا حكومة إن انتهت الخيارات كلها ونشبت أزمة سياسية.
موقف حزب الحركة القومية خلال انتخاب رئيس البرلمان كان فريدا من نوعه، حين صوَّت في جميع الجولات لصالح مرشحه أكمل الدين إحسان أوغلو، لأن الجولة الرابعة كانت فقط بين مرشح حزب العدالة والتنمية عصمت يلماز ومرشح حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال، وبالتالي فقد ألغيت الأصوات التي أدلى بها نواب حزب الحركة القومية لصالح إحسان أوغلو، وفاز يلماز برئاسة البرلمان. واتهمت المعارضة آنذاك حزب الحركة القومية بدعم مرشح حزب العدالة والتنمية بشكل غير مباشر.
الغريب في تصريحات رئيس حزب الحركة القومية ومواقفه من تشكيل الحكومة والانتخابات المبكرة، أنه رفض المشاركة في الحكومة مع حزب العدالة والتنمية ورفض تشكيل حكومة ائتلافية برئاسته بمشاركة حزب الشعب الجمهوري ودعم حزب الشعوب الديمقراطي، ورفض دعم حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية.. ورفض أخيرا إجراء انتخابات مبكرة بعد أن رحَّب بها في أول تعليقه على نتائج الانتخابات وقد دعا إلى إجرائها في أقرب وقت ممكن إن فشلت الخيارات كلها. وقال قبل اللقاء الأخير الذي جمعه مع داود أوغلو، إن حزب الحركة القومية يرفض إجراء انتخابات مبكرة في الظروف الراهنة ولم يدعم في البرلمان أي طلب قد يتم تقديمه لإجراء انتخابات مبكرة.
ليس أمام تركيا الآن غير إجراء انتخابات مبكرة للخروج من الأزمة الحالية. وكان المتوقع أن يدعم حزب الحركة القومية اتخاذ قرار في البرلمان لإجراء انتخابات مبكرة حتى لا يضطر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لاتخاذ قرار بهذا الاتجاه، لأن قرار إجراء الانتخابات إن لم يتم اتخاذه عبر البرلمان فستتشكل حكومة مؤقتة بمشاركة جميع الأحزاب لتقود البلاد إلى تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات المبكرة، وسيكون من نصيب حزب الشعوب الديمقراطي ثلاث حقائب وزارية في تلك الحكومة.
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أعاد أمس الثلاثاء، تفويض تشكيل الحكومة الائتلافية إلى رئيس الجمهورية، ومن المنتظر الآن أن يطلب أردوغان إجراء الانتخابات المبكرة. وأعلن حزب الحركة القومية أنه لن يشارك في الحكومة التي ستتشكل بعد هذا القرار، ما يعني عمليا تشكيل حكومة بمشاركة حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، وهو الخيار الثاني الذي ذكره باهتشلي لتشكيل الحكومة في أول تعليقه على نتائج الانتخابات. ويعني أيضا بقاء حزب الحركة القومية وحده في المعارضة حتى إجراء الانتخابات المبكرة وتشكيل حكومة جديدة بعدها.
يبدو أن حزب الحركة القومية يريد أن يحمِّل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان والأحزاب الثلاثة مسؤولية الأزمة الراهنة ويستغل بقاءه في المعارضة لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات المبكرة، إلا أن هذه الحسابات قد تكون خاطئة.. وقد يحمِّله الناخبون الأتراك القوميون مسؤولية مشاركة حزب الشعوب الديمقراطي في الحكومة بثلاثة وزراء بسبب تعنت باهتشلي، لتتراجع نسبة التأييد له بدلا من أن تزيد.