كشف تحقيق لصحيفة "الغارديان" البريطانية عن استرقاق المسلمين الفارين من ملاحقة المتطرفين البوذيين في بورما. وقالت الصحيفة إن صيادين تايلانديين ومهربين يقومون باسترقاق الآلاف من مسلمي الروهينغا، ووضعهم في معسكرات قاتلة داخل الغابات.
وجاء في التقرير، الذي أعده كل من إيمانوي ستوكس وأني كيلي وكريس كيلي، أن المهاجرين من أبناء الأقلية المسلمة الروهينغا يتم تهريبهم عبر معسكرات في الغابات، وبيعهم إلى قوارب الصيد التايلاندية، التي تقوم بإنتاج المأكولات البحرية التي تباع في أنحاء العالم كله. ونظرا للربح الذي تدره تجارة الرقيق، فإن عددا من الصيادين المحليين قاموا بتحويل قواربهم من نقل السمك إلى نقل المهاجرين الروهينغا.
وأثبت التحقيق الذي أجرته الصحيفة، حول تجارة المأكولات البحرية وعصابات التهريب، التي كانت ولوقت قريب تحتفظ بالآلاف من المهاجرين الروهينغا في معسكرات داخل الغابة أسرى، وجود صلة قوية بين صيد الأسماك وتهريب اللاجئين.
ويشير التقرير إلى أن شهادات الناجين والسماسرة وناشطي حقوق الإنسان تكشف أن مئات من الرجال الروهينغا تم بيعهم من خلال معسكرات للمهربين عثر عليها في جنوب تايلاند.
وتبين الصحيفة أنه بحسب من تم بيعهم من المعسكرات، ونقلوا إلى قوارب الصيد، فإن التهريب الذي يتم بشكل منتظم لم يكن ليحدث لولا تعاون ومعرفة المسؤولين التايلانديين. وفي بعض الحالات قام عاملون في معسكرات اعتقال اللاجئين الروهينغا بنقلهم وتسليمهم إلى السماسرة الذين يقومون بعد ذلك ببيعهم إلى قوارب الصيد التايلاندية.
وينقل التقرير عن آخرين من الروهينغا قولهم إن المسؤولين التايلانديين كانوا يأخذون المهاجرين من السماسرة في حال صولهم إلى شواطئ تايلاند، حيث يتم نقلهم إلى معسكرات في الغابات، ويتركون فيها للحصول على فدية، أو يباعون إلى القوارب، حيث يعملون فيها على أنهم عمال سخرة.
وتذكر الصحيفة أن قيمة صناعة المأكولات البحرية التايلاندية تقدر بحوالي 7.3 مليار دولار، ومعظمها يذهب إلى التصدير. وقد كشف تحقيق للصحيفة العام الماضي عن المنتجات البحرية التايلاندية التي تباع في المتاجر البريطانية والأمريكية.
وبالرغم من أن تحقيق "الغارديان" لم يربط قوارب بحرية تايلاندية تستخدم الرقيق من الروهينغا بمنتجات بعينها تباع في المتاجر، إلا أن هناك احتمالا لوصول منتجات بحرية استخدمت رقيق الروهينغا إلى رفوف المتاجر الغربية.
ويكشف التقرير عن حجم شبكة تجارة البشر التي تصنع أموالا من معاناة الآلاف من الروهينغا، الذين لا يعترف بهم بلد "وشعب القوارب"، وقد حاولوا البحث عن بلد يقبلهم، فقد هرب عشرات الآلاف من المسلمين الروهينغا فارين من عمليات التطهير العرقي في بورما، وكان هدفهم الرئيس هو الوصول إلى ملجأ آمن في ماليزيا.
وتوضح الصحيفة أنه في آذار/ مارس الماضي أخبر مبعوث الأمين العام الخاص لشؤون حقوق الإنسان يانغي لي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن أبناء الروهينغا المهجرين داخليا لا خيار أمامهم إلا "البقاء، وهذا يعني الموت" أو "ركوب القوارب".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن مأساة الضحايا قد جذبت انتباه المجتمع الدولي بعد اكتشاف عدد من القوارب التي هجرها أصحابها وعليها مئات من المهاجرين الجائعين من بنغلاديش وبورما، حيث كانوا في طريقهم إلى أندونيسيا أو ماليزيا أو تايلاند، ورفضت هذه الدول استقبالهم في البداية.
وتورد الصحيفة أنه في آيار/ مايو الماضي اكتشف المسؤولون في تايلاند وماليزيا مقابر جماعية وسجونا في الغابات، التي كان يستخدمها المهربون في عملياتهم. وقد استخدمت معسكرات الغابات سجونا مفتوحة، حيث كان اللاجئون يحتجزون فيها لحين افتداء عائلاتهم لهم. وتعرض الكثير ممن اعتقلوا في المعسكرات هذه للاغتصاب والتعذيب أو الموت.
وينقل التقرير عن ناجين من المعسكرات والسماسرة قولهم إن من لم يستطيعوا دفع المبلغ المطلوب تم بيعهم على نظام الرق لأصحاب قوارب الصيد. وتؤكد شهاداتهم ما ورد في تحقيقات منظمات حقوق إنسان حاولت متابعة الموضوع.
وتتطرق الصحيفة إلى وصف شاب من الروهينغا كيف باعه السماسرة، ونقلوه من معسكر الغابة إلى قارب اسمه "سونخالا" يحمل العلم التايلاندي. ويقول "نقلنا من المعسكر بالقوارب والسيارات، ووصلنا إلى (سونخالا)، ووضعنا في سفينة الصيد". ويضيف: "أجبرنا على العمل فيها، وعملنا في البحر مدة أربع سنوات، حيث لم تعد السفينة إلى الشاطئ".
وينقل التقرير عن مدير مكتب "تأكيد الحقوق" في بانكوك ماثيو سميث، قوله إن العلاقة بين المخيمات وتجارة الصيد معروفة ولها تاريخ طويل، ويضيف: "عندما يحتجز ولد أو رجل في مخيمات التهريب، ولا يستطيع دفع المال، فإنه يتم بيعه لقوارب الصيد، حيث يستخدم عامل سخرة. وهذا الأمر يحدث منذ عقود، وهو وضع يعيشه قطاع الصيد منذ التسعينيات من القرن الماضي".
وتكشف الصحيفة عن اعتراف سمسار تمت مقابلته في بانكوك باستخدام الروهينغا في صناعة الصيد، حيث تذكر كيف باع مئة شخص من معسكرات الغابة في العام الماضي، وقد باع الشخص بـ 30 ألف باهت "900 دولار أمريكي". وقال: "لقد اشترى قباطنة السفن المهاجرين". وأضاف: "لا يمكنهم مغادرة القوارب؛ لأنهم قد يهربون، وعندها سيخسر القباطنة العمال. وسمعت أنه في حالة عدم قدرتهم على العمال فإنهم يرمونهم في البحر".
وينوه التقرير إلى أنه بالإضافة إلى الروهينغا فقد تم بيع لاجئين من لاوس وكمبوديا وبورما. مستدركا بأنه رغم محاولة الحكومة ملاحقة تجارة الرقيق، إلا أن الأدلة تظهر استمرار احتجاز الروهينغا في المعسكرات حتى بداية العام الجاري.
وتذكر الصحيفة أن الحكومة التايلاندية تواجه ضغوطا لتنظيف صناعة الصيد من الرقيق، والحد من تهريب البشر. وأمهلت الأمم المتحدة الحكومة التايلاندية ستة أشهر لملاحقة تجارة البشر والانتهاكات التي تقوم بها قوارب الصيد.
ويذهب التقرير إلى أن الحكومة التايلاندية تقول إنها اتخذت إجراءات حاسمة، مثل إغلاق المعسكرات التي يحتجز فيها الروهينغا كلها، ودفعت باتجاه سلسلة من القوانين لإصلاح صناعة الصيد، وطلبت من أصحاب القوارب تسجيل العمال المهاجرين العاملين على متنها كلهم، والحصول على رخصة عمل جديدة للقارب، وتسجيل أدوات القارب كلها.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن صناعة الصيد قد تتأثر في حال عدم التزامها بالتعليمات الجديدة، وهو ما قد يطال 3 آلاف قارب. وقد احتج أصحاب القوارب بداية هذا الشهر في 22 إقليما، على التشريعات السريعة، التي تكلف كل صاحب قارب 414 دولارا في الشهر.