بتصفية واعتقال معظم قيادات الصف الأول بجماعة الاخوان المسلمين على نحو غير مسبوق في تاريخها، تجد الجماعة نفسها أمام خيارات صعبة في التعامل مع أزمتها، فضلا عن مسار الثورة المصرية و مدى تأثيرها فيه.
ولتحديد الاختيارات أمام الجماعة من المهم استعراض بيئة الصراع التي تعمل خلالها الجماعة بإيجاز، ومن ثمّ نحدد هامش الحركة، والمناورة المتاح لها للتعامل مع الصراع .
بيئة الصراع
لا شك في أن الجماعة تواجه حربا إقليمية بامتياز، وليس داخل مصر فحسب، فداعمو الانقلاب في الخارج – خاصة أمريكا وإسرائيل - أدركوا حجم الخطورة على مصالحهم في المنطقة بوصول الإخوان إلى السلطة أو قريبا منها في معظم بلاد الربيع العربي، وتظهر معالم هذه الحرب بدرجات متفاوتة في مصر وتونس واليمن وليبيا والأردن والإمارات والسعودية وغزة وانتهت تقريبا في العراق وسوريا.
لذلك أي تصوّر للحل في مصر بمعزل عن بيئة الصراع إقليميا، هو بكل تأكيد خطأ إستراتيجي في التعامل مع الموقف، وأي تصور للحل قد يتخيله البعض من دون توافق إقليمي عليه فهو يبحث عن السراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
أيضا مهم أن نتعامل مع واقع أن الجماعة تعاني من عدة أزمات داخلية تجعل قدرتها على امتصاص الصدمات - ناهيك عن الرد عليها - ضعيفا، من حيث القوة أو القدرة، وتلك الأزمات يمكن تلخيصها -كما بدا واضحا للعيان في الفترة الماضية- في النقاط التالية:
أزمة "وجود" قيادة نتيجة التصفيات والاعتقالات للصف الأول والثاني للجماعة.
أزمة "تنازع " قيادة و ظهر ذلك واضحا في التلاسن الإعلامي الواضح بين طرفيّ الأزمة .
أزمة " تواصل " القيادة التي تجعل من الالتقاء والنقاش، واتخاذ القرار الجماعي أمرا في غاية الصعوبة والخطورة، وهو ما نتج عنه ضعف في المعلومات وارتباك وتأخر في اتخاذ القرار، فضلا عن الضعف الشديد في التواصل بين القيادة وقواعدها، وهو ما يفخخ العلاقة بينهما لعدم وضوح الرؤيا المستمر وضعف القدرة على التعبئة وحشد القواعد حولها.
أزمة "مسار" بين انقسام الجماعة على الطريق اللازم لإسقاط الانقلاب بين مؤيدي السلمية المطلقة وبين السلمية مع القصاص والدفاع الشرعي عن النفس وبين الخيار المسلّح والعنيف، ولكل مسار من يؤيده وفق مبررات أخلاقية و دينية و ميدانية.
أزمة "حياتية" نتيجة القمع الأمني الهائل الممارس على قواعد الجماعة من اعتقال عشرات الآلاف ومطاردة آلاف آخرين ومصادرة الأموال والممتلكات والفصل من العمل، وهو ما انعكس بشكل سلبي للغاية على أفراد الجماعة وعلى قدرتهم على الاستمرار في الحراك بالقوة نفسها.
أمام تداخل وتعقد هذه الأزمات يصبح من الصعب المراهنة على قدرة الجماعة إذا استمرت هذه الأزمات دون حل في إنهاء الصراع القائم مع النظام لصالح الثورة.
يبقى محدد أخير لبيئة الصراع وهو انهيار الدولة المصرية أمنيا وقيميا ومجتمعيا واقتصاديا وسياسيا بشكل غير مسبوق كما هو ملاحظ ،ومن دون تفصيل لا يتسع المقام له هنا.
و عليه نصل إلى إجابة على السؤال المطروح في عنوان المقال، ما هي الخيارات المتاحة أمام الإخوان للتعامل مع الصراع الحالي؟؟
الخيار الأول: الاستنزاف المستمر
يقوم هذا الخيار على بقاء الأوضاع على ما هي عليه من استنزاف للجماعة وكودارها، وفي الوقت نفسه استنزاف الدولة والنظام على أمل أن ينهار النظام مع الوقت أو يحدث انقلاب على الانقلاب أو تدخل خارجي قوي لفرض حل معين، ومشكلة هذا الخيار أنه يربط مصير الثورة والجماعة لعناصر الصدفة أو الغيب، كما أنه لا يضمن بالضرورة أن تحافظ الجماعة على بقاءها مع طول أمد الصراع أو الثورة على استمرارها.
الخيار الثاني : التراجع و الاستسلام
ويقوم هذا الخيار على تسليم الإخوان للانقلاب العسكري واعترافهم بحكم السيسي وتنازلهم عن مطالب الشارع الثوريى تحت ضغط الأزمات التي تحدثنا عنها مسبقا.
إيجابيات هذا الخيار أنها قد تضمن وقف استنزاف الجماعة بالإفراج عن المعتقلين، ووقف الإعدامات ومصادرة الأموال في مقابل التنازل الكامل عن الشرعية بل حتى عن العمل السياسي، وربما الاكتفاء بالعمل الدعوي، وقد يصل إلى مطالبة النظام للجماعة بحل نفسها.
سلبياته أنه في ظل اختلال موازين القوى بين الطرفين، والدعم الإقليمي القوي للنظام في قمعه للجماعة؛ فإنه لا شيء مضمون أمام الجماعة لضمان تحقق شروط التراجع، فضلا عن أن إقدام الجماعة على هذا الخيار يعني عمليا انتحارا سياسيا وأخلاقيا أمام أنصارها ومؤيدي الشرعية .
وبالتالي فإقدام الجماعة على هذا الخيار يعني إعلان الهزيمة من جانبها، وكذلك انتحارها سياسيا وشعبيا أمام مؤيدي الشرعية الذين قدموا تضحيات هائلة في سبيل ما يؤمنون به.
الخيار الثالث : الكمون الاختياري
يقوم هذا الخيار على فكرة أن الجماعة بفكرها وتركيبتها وشخوصها وتاريخها هي جماعة إصلاحية وليست ثورية بالأساس، وبالتالي فقدرتها التنظيمية على خوض صراع كهذا والانتصار فيه يظلّ مصدر شك .
لكن الحل لتخرج الجماعة من عنق الزجاجة هذه أن تتخلى عن العمل الثوري الميداني والسياسي دون تنازل عن مبادئها، بمعنى آخر أن تصبح مثل كيانات أخرى رافضة للانقلاب في داخل مصر ولكنها لا تفعل شيئا ميدانيا لإسقاطه
وفي الوقت نفسه تترك لأعضائها وشبابها حرية العمل والحركة لإسقاط الانقلاب دون عباءة التنظيم أو وصايته، وبالتالي يتسع هامش الحركة أمامهم سواء في تشكيل كيانات ثورية يملكون هم قرارها أو في توسيع أشكال التصدي للانقلاب .
إيجابيات هذا الخيار أنه يبعد فكرة استئصال الجماعة من قبل النظام، ويخفف الضغط الأمني بشكل كبير عليها ويوزعه على الكيانات الثورية الأخرى التي ستتوالد بكثرة حينها، وتتحرك من تلقاء نفسها، أيضا لا يضع الجماعة في ورطة الاعتراف بالانقلاب أو التنازل عن مطالب الصف الثوري، فقط ستعلن تخليها عن قيادة الثورة و تصدرها للمشهد وأنها لن تقف في مواجهة النظام .
والإيجابية الأهم أنه يضع الثورة في إطارها الصحيح -على ما اعتقد-، نظام في مواجهة شعب وليس ما يروج له السيسي نظام في مواجهة جماعة أو تيار، كما أنه يلقي بالمسؤولية الكاملة على عموم الشعب لانجاز ثورته وليس على شريحة فحسب منه. وعندها ستجد قطاعات واسعة من الشعب أن عليها أن تشارك بشكل فعّال إذا أرادت اسقاط الانقلاب وليس الاكتفاء بمشاهدة الصراع بين النظام والجماعة.
سلبياته: بطبيعة الحال لن يعترف النظام بهذا الإجراء وسيعتبره إجراء تكتيكيا، أو هذا ما سيتمسك بادعائه إعلاميا وسياسيا وقانونيا، وبالتالي سيظل ردحا من الزمن يتعامل مع الجماعة بالعقلية نفسها حتى يستسلم للواقع الجديد، إن نجحت الكيانات الثورية الأخرى في فرضه على الأرض، فضلا عن أن معظم عناصر الجماعة الذين لن ينضووا تحت هذه الكيانات سيظلون في حالة كمون ـ وليس جمود ـ وهو ما يخفف العبء والضغط الأمني عليهم، وهو أمر مطلوب للمساعدة في مهام المستقبل الإصلاحية -وليست الثورية-، والتي تناسبهم أكثر بعد اسقاط الانقلاب .
أيضا سيسوق الانقلاب للأمر على أنه إعلان للهزيمة وانتصار للسيسي، وسيفهم قطاع من أنصار الشرعية والجماعة القرار على أنه استسلام وتراجع، وبالتالي تفقد الجماعة جزء من حاضنتها الشعبية نتيجة لهذا القرار.
لكن قدرتها على استعادة هذا الجزء أو خسارة المزيد منه مرتبط بمدى قدرة ونجاح الكيانات الثورية -التي ستتوالد- على ملأ الفراغ والتقدم بالثورة، حينها سيدرك الجميع أن القرار كان في صالح الثورة وليس ضدها أو العكس.
الخيار الأخير أيضا سيقي الجماعة من فكرة الحل أو التجميد الذين روج لهما البعض ولم يجدا آذانا صاغية لدى القيادة أو القواعد.
في هذه اللحظات التاريخية على الجماعة أن يكون لديها القوة والجرأة والشجاعة الكافية للتفكير خارج الصندوق والمألوف، فهي لم تعد ملك لنفسها بعد أن توحدت مع الشعب في ثورته ومستقبله.
4
شارك
التعليقات (4)
Mostafa Elgendi
الأربعاء، 29-07-201510:56 م
استاذنا الفاضل الاستاذ ممدوح المنير.
السلام عليكم.
كم انا منبهر ..كالكثيرين ..من متابعيك وجمهورك..بتحليلاتك العميقة في كل الاحتمالات والاتجاهات اسقاطا علي الواقع..
لكن استاذنا الفاضل دعني اختلف معكم..
انت بتحليلاتك و طرحك.. اوقفت عجلة التاريخ عن الدوران و استخدمت ال stop watch علي الحالة المصرية و اختصرت مصر في فصيل وللعلم هم اطهر فصيل علي وجه الارض من تقوي ودعوة واصلاح وعلم..الخ..لا احد ينكر ذلك..
لكن ان نختصر الحالة المصرية في فصيل. فذلك من قبل التهميش لباقي ال 90 مليون..
وتحليلاتك تنصب علي مبدا الاخذ بالثأر..
الاخذ بالثار مهما كانت النتائج..حتي لو تم تدخل احنبي كما ذكرت في مقالك.
حتي لو اريق مزيد من الدماء..بالاصطدام والمواجهة العنيفة مع الدولة.. وقد انبريت عزيزي لتطرح استنزاف الدولة..من قبل شباب الفصيل المذكور كاحدي الحلول المطروحة..
عزيزي..ان الدمار والتفتيت والقتل والدم الذي سيسال علي ارض مصر..اكبر وافظع واشنع بكثير من ان يصمت ذلك الفصيل ويتخذ خطوة..بل خطوات الي الوراء..
لا تكن عزيزي مثل الشيعة الذين اوقفوا عحلة التاريخ عند مقتل الخسين زورا وبهتانا..
عزيزي..ارجو ان تتقبل كرحي بصدر رحب..
دمت بخير
مصطفي الجندي
Bibo
الإثنين، 20-07-201501:55 ص
مقال بلح مع احترامي للدكتور ممدوح
Mohamed
الإثنين، 20-07-201512:52 ص
ارى ان هناك خيارين لم يذكرهما المقال وهو خيار المواجهة المفتوحة
او خيار المواجهة المحدوده ذات التكتيكات الجديده
هشام محمد
الأحد، 19-07-201507:17 م
الخيار الأول: الاستنزاف المستمر هو الإختيار الأفضل من وجهة نظرى أما عن مشكلة أو سلبية هذا الخيار وكما وردت بالمقال وهى ( ومشكلة هذا الخيار أنه يربط مصير الثورة والجماعة لعناصر الصدفة أو الغيب، كما أنه لا يضمن بالضرورة أن تحافظ الجماعة على بقاءها مع طول أمد الصراع أو الثورة على استمرارها.) .... فأنا أرى أنه لاتوجد مشكلة لأنه لا ضرورة للحفاظ على بقاء الجماعة طالما توحد وإندمج " بشكل حقيقى وهو ما حدث بالفعل" مصير الجماعة والثورة .... لأن نجاح الثورة يعنى عودة الجماعة مرة أخرى