كتاب عربي 21

إيران والغرب.. اتفاق على وقع حرب الإرهاب

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
لم يكن ممكنا إنجاز اتفاق تاريخي بين إيران والغرب حول الملف النووي في ظروف تاريخية مغايرة، فعلى مدى سنوات طويلة منذ الثورة الإيرانية 1979 التي أطاحت بشاه إيران كأحد أهم أصدقاء الولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط، صنفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية كدولة مارقة وراعية للإرهاب، لكن الإرهاب الذي بات السمة الأساسية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة واستخدم كذريعة إمبريالية للتوسع والسيطرة والهيمنة، تحكمت في تصويره وتمثيله القوة الإمبراطورية الأمريكية لخدمة مصالحها القومية وأهدافها الاستراتيجية، بحيث أصبح يمكن لقوى موصوفة بالإرهاب مساء أن تكون صديقة وشريكة في محاربة الإرهاب صباحا، وبهذا يغدو الإرهاب مسألة ذاتية غير موضوعية ومفروضة غير مفترضة تتبع سلطة القوة المادية والرمزية التي تتحكم في تحديد ماهية الأصدقاء والأعداء.

لقد بات واضحا للغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا عجز حلفائها العرب عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الأمن الإقليمي وتحقيق الاستقرار، في الوقت الذي برهنت فيه إيران عن قدرتها على خلق الفوضى حينا والأمن حينا آخر، وأثبتت بأنها يمكن أن يكون شريكا جيدا في حال التوافق على جملة المصالح المشتركة، وقد بد ذلك واضحا جليا في مناسبات عديدة كبرى عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث تعاونت مع الولايات المتحدة والغرب لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق، وكلاهما يعد خطرا مشتركا، فإيران اعتمدت على تحالف موضوعي مع الغرب برهن التاريخ على كونها أكبر المستفيدين، ولم تدخل كحلفاء الغرب العرب طائعة أو مكرهة دون حسابات الكلف والمنافع، وقد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحا في بيان مغزى الصفقة بين إيران والغرب، حيث قال: إن الاتفاق النووي مع إيران سيساهم في محاربة الإرهاب بالشرق الأوسط.

لا جدال بأن إيران هي المستفيد الأكبر من صفقة الملف النووي، فبعيدا عن البنود التقنية للاتفاق، وضعت إيران منذ البداية حسابات واضحة للمكاسب والخسائر، واختارت أفضل المواقيت لتقدم المفاوضات، فهي تدرك تماما حاجة الغرب لها عقب تعثر سياسات "الحرب على الإرهاب"، التي تمخضت عن نتائج كارثية للولايات المتحدة وساهمت في تعزيز مكانة إيران كدولة إقليمية فاعلة، فعندما دخلت سوريا آفاق الحراك الثوري منتصف آذار/ مارس 2011، فشل حلفاء الغرب من العرب في إحراز أي تقدم، بينما عملت إيران على دعم حليفها "الأسد"، ونجحت في تحويل المعارضة السورية المسلحة إلى حركات متطرفة تنطبق عليها المواصفات الأمريكية والغربية المتعلقة بالمنظمات الإرهابية.

 على مدى 5 سنوات تدخلت إيران في المنطقة كدولة مسؤولة عضو في الأمم المتحدة متضامنة مع المجتمع الدولي في "الحرب على الإرهاب"، وملتزمة بالحفاظ على أنظمة تتمتع بشرعية دولية كعضو في منظمة الأمم المتحدة تواجه خطر التمرد والإرهاب من منظمات إرهابية تتمتع دعم وإسناد من دول عربية وإسلامية غير مسؤولة أخلاقيا وسياسيا بالمواثيق الدولية، فعندت أوكلت مهمة إنقاذ النظام السوري إلى جناح العمليات الخارجية في "الحرس الثوري" المتمثل بـ "فيلق القدس" وقائده قاسم سليماني الذي عمل سريعا على تطبيق استراتيجية التدخل غير المباشر من خلال أذرعها من المليشيات الشيعية المقاتلة كما فعلت في العراق، عن طريق أدواتها الشيعية الناعمة والصلبة ممثلة بحزب الله اللبناني والمليشيات العراقية كلواء الفضل أبو العباس، لم تكن إيران خارجة عن الأطر القانونية الدولية، بل ظهرت باعتبارها أكثر حرصا من على الأمن والاستقرار.

 النهج الواقعي الفج للإدارة الأمريكية بات مقتنعا بأن إيران تمتلك مفاتيح الحل لأزماتها في المنطقة، فالقيادات الإيرانية باتت تتحكم بإدارة المعركة في العراق وسوريا، فالجيش العراقي تتحكم فيه المليشيات الشيعية الموالية لإيران، أما الجيش السوري فيقتصر عمله على إدارة العمليات الثانوية، فالحرس الثوري الذي كان يحتفظ قبل الحرب بقوة تقدر بـ 3000 ضابط، بهدف المساعدة في عمليات نقل الأسلحة لحزب الله في لبنان وحماية خطوط الإمدادات وتوفير الدعم اللوجيستي وتدريب الضباط السوريين، أصبح الآن يتحكم بخيوط اللعبة، ويقوم الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالإشراف على العمليات الخارجية للحرس الثوري، وهو شخصية مفتاحية في مجال إدارة عمليات التدريب والإشراف والقيادة لكافة المليشيات الشيعية المقاتلة في العراق وسوريا التي تدين بالولاء للمرشد الولي الفقيه آية الله علي خامنئي في طهران.

لقد تعاملت الولايات المتحدة والغرب مع المليشيات الشيعية الموالية لإيران كحليف موضوعي في حرب الإرهاب عقب سقوط الموصل في10حزيران/ يونيو 2014 بيد تنظيم الدولة الإسلامية، حيث ساندته جويا في كافة المعارك ونسقت مع المليشيات الشيعية على الأرض عن طريق خبرائها، وبدا واضحا أن تأسيس الميليشيات الشعبية واجب وطني رغم استناده إلى فتوى المرجعية الشيعية العليا للسيستاني بجوب الجهاد الكفائي، وهي ذات المرجعية التي ساندت الاحتلال الأمريكي بطرائق شتى.

لعل الجدال والسجال اليوم يتجاوز صفقة الاتفاق النووي، وهو يدور حول طبيعة التغيرات التي ستحدث في المنطقة ودور إيران في صناعة الاستقرار كشريك فاعل في محاربة الإرهاب والثمن المطلوب لعمليات استدخال شريك جديد معترف به دوليا، فالهدف الحقيقي لأوباما من المحادثات النووية هو تحقيق المواءمة الإقليمية، نظرا لمخاوف الحلفاء التقليديين في المنطقة وفي مقدمتهم إسرائيل ودول الخليج الذين يخشون من أن تتخلى واشنطن عنه بسبب تطور علاقتها مع طهران. 

لا شك بأن هذه المخاوف تتمتع بالمصداقية، إذ تتصاعد مشاعر الحلفاء من عمليات الهجر والاستبدال، حيث عبرت إسرائيل والسعودية عن غضبها من الصفقة بين إيران والغرب بوضوح تام، بل عمدت السعودية إلى البحث عن بدائل أخرى لإجبار واشنطن على تقديم بعض التنازلات، الأمر الذي دفع واشنطن إلى تطمينها بخصوص قضايا ثانوية تتعلق بالحرب في اليمن وصفقات الأسلحة، إلا أن الرياض بدت غير راضية عن التطمينات فاندفعت بصورة أكثر نحو عدن وبدأت بترميم علاقاتها مع الإخوان المسلمين عير بوابة حركة حماس حيث قامت باستقبال خالد مشعل، وعملت على استمالة روسيا لكن الولايات المتحدة تراهن على كون التحركات السعودية مجرد حرد وعتب مقبول.

لقد أثار الاتفاق الإيراني الغربي غضب الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة كالسعودية ودول الخليج باعتباره خيانة للصداقة التاريخية والأهداف والمصالح المشتركة، التي طالما اعتبرت إيران ومحور "الممانعة والمقاومة" عدوا يسعى إلى التوسع والهيمنة في المنطقة، إلا أن الحقيقة البسيطة تشير إلى أن الاتفاق يعكس بصورة فجة سيادة النهج الواقعي البراغماتي للسياسة الأمريكية وتراجع النهج الإمبراطوري الإمبريالي الحالم عقب فشل تجارب التدخلات العسكرية المباشرة من أفغانستان إلى العراق، الأمر الذي بات واضحا من خلال العجز الممزوج بالخوف وعدم الرغبة بالتدخل في سوريا وافتقاد استراتيجية واضحة، خصوصا بعد أن نجح النظام السوري وحليفه الإيراني وبدعم روسي من خلق الأسباب والشروط والظروف الموضوعية لتدفق الجهاديين وحرف الصراع والثورة الشعبية المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية إلى حالة من الفوضى والطائفية والعنف والتطرف.

يبدو أن النهج الواقعي الفج للإدارة الأمريكية بات مقتنعا بأن إيران تمتلك مفاتيح الحل لأزماتها في المنطقة بدءا بأفغانستان وانتهاء بفلسطين، كما أنها أصبحت مقتنعة بعدم قدرتها على مهاجمة إيران نظرا لكلفتها الباهظة، كل ذلك جاء في ظل "ربيع عربي قصير" جلب حالة من عدم الاستقرار وتنامي السلفية الجهادية عقب الانقلاب العسكري في مصر وتعثر مسارات العملية الانتقالية في تونس وليبيا واليمن. فالسردية الرئيسية للولايات المتحدة في سوريا كما في مناطق أخرى من العالم العربي تقوم على الاعتقاد بتنامي "الإرهاب" الذي ساهمت هي في خلقه من خلال تدخلاتها وفشل سياساتها في المنطقة، إذ باتت استراتيجيتها في محاربة "الإرهاب" تقتصر على التدخل من خلال الطائرات بدون طيار، وبهذا فلا إشكال بالاستعانة بإرهابيين تائبين في حروبها، فإيران وسوريا اللتان طالما اعتبرتا راعيتين للإرهاب باتتا شريكين في "الحرب على الإرهاب".

لم تكن الصفقة بين إيران والغرب مفاجئة، فقد كانت تتدرج بصورة لافتة خلال العامين المنصرمين، على وقع حرب الإرهاب، فالتقرير السنوي الصادر عن جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الأمريكية، برفع إيران وحزب الله اللبناني، من قائمة الدول والتنظيمات "الإرهابية" التي تشكل مصدر خطر على الولايات المتحدة خلال عام 2015، كانت تمهيدا لحسن نوايا واشنطن بخصوص ملف المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة دول (5+1) وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وكذلك التفاهمات الأمريكية ـــ الإيرانية، التي كانت واضحة فيما يخص الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.

في سياق اللعبة الدولية الجديدة سوف تعمد جميع الأطراف إلى تصعيد خطابها وممارساتها على المدى القريب، فإيران ستعمد إلى التأكيد على عدم تغيير خطابها المتعلق بالعداء للشيطان الأكبر، كما ستدعم حلفاءها في العراق وسوريا واليمن، أما الولايات المتحدة فسوف تعمد إلى التصعيد للإيحاء بالتزامها تجاه حلفائها وللبرهنة على عدم تأثير الصفقة على موقفها من لإيران، سوف يتناطح الجميع لإظهار عدم الاستسلام، إلا أن الحقيقة سوف تبدأ بالتكشف على المدى الطويل، عندما تبدأ الولايات المتحدة وإيران بالعمل على بناء مصالح مشتركة والتعاون بشأن القضايا الاستراتيجية خارج المجال النووي، ابتداء من ساحة العراق التي تتعانق فيها المصالح الأمريكية الإيرانية حول دعم حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وهي محطة اختبار نوايا وتأسيس شراكة في حال نجاحها سوف تعقبها مرحلة الدخول في تفاوض جدي حول مستقبل سوريا، وفي الأثناء سوف تتصاعد وتيرة الفوضى والعنف، أما العرب فسوف يرقبون المشهد لعل القدر يتدخل فيتغير مسرح اللاعبين.
1
التعليقات (1)
صالح العزافي
الأحد، 19-07-2015 11:58 م
لقد نالت ايران اكثر من ما تستحق فكانت عندما تحس باالخطر من توحيد القرار العربي ضدها او حتي ادني من دلك فيها تقوم بااستماله بعض الدول العربية وبخبث وتوهمها بتعاون امني وحسن جوار وبناء علاقه طيب وكان لامريكا والقرب يد في ايهام بعض الدول العربية بان ايران جاده في بناء علاقات طيبه مع الجيران وهدا نتيجه وثوق العرب باامريكا والغرب وكان لاايران ماكان والقصه كما تعرفونها لانهاء اخدت نفس طويل