كتاب عربي 21

أطفال سوريا.. من ذل الأسد إلى "مجد دابق"!

راميا محجازي
1300x600
1300x600
صدر عن المكتب الإعلامي لولاية الرقة، التابع لتنظيم الدولة، شريطا مصورا يحتوي على مقطعين، الأول رسالة من طفل سوري من إدلب يبكي ويتوعد بشار الأسد "بالسقوط على يد الأحرار"، والمقطع الآخر لنفس الطفل بعد تأهيله من قبل تنظيم الدولة ليكون "أحد أشبال الخلافة وفيه يتوعد الكفرة الصليبيين المعادين لدولة الخلافة بأنه سيسحبهم ألفا ثم ألف ولن يبقي منهم ولن يذر وسيجعلهم عبرة لمن اعتبر". 

في هذا المقال سنقرأ ما جاء في هذا الشريط قراءة تحليلية ونقف على الدلالات والأبعاد. 

المقطع الأول : "مرحبا يا عمو لشو قاعد هون أنت؟  

نحنا بشار الأسد قتلنا، نهبنا. أشو نحنا بدنا نألو؟ نحنا قاعدين هون؟ إيشو نحنا اعملنالو؟! نحنا منعبي مي! منشرب هون! إيشو نحنا اعملنالو؟! نحنا ما لنا زلم؟ إيشو نحنا اعملنالو؟! نحنا منشرب هون والله! 
 ليش عم تبكي يا عمو؟  

 إشو عملنالوا؟ بشار نهبنا قتل بيوتنا، نهبنا، مالنا شي هدّن كلن ماعنا شي هون. منشرب مي بتمطر الدني، منأعد عند هالجماعة منقعد منسهر عندن إيشو بيهن، والله العظيم، ولاخلانا نقعد دقيقة بالبيت! هو بشار الأسد واطي حقير بدنا نسقطو بهالصرماية، والله أكبر والله أكبر وهالثوار الأحرار رح يسَقْطوا بهالصرماية".  
 
المقطع الثاني: "بسم الله  و الصلاة والسلام على رسول الله   
هذه الرسالة أوجهها إلى الصليبيّين من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر.  
نقول لهم: بإذن الله جئناكم برجال يحبون الموت أكثر من حبكم إلى الدنيا. 
تخالوننا سننتهي! كلا. والله سنسحبكم ألفا ثم ألفا، ولن نبقي منكم ولن نذر ونجعلكم عبرة لمن اعتبر.   
والله يا أوباما! ويا كل اللذين تحالفتم على الدولة سنقتلكم ومن؟ أشبال الخلافة الذين آخر الساعة سيقومون إلى مجد دابق. 
والسلام عليكم ورحمة الله".   
    
أولا: المقطعان مختلفان من حيث روح المشهد ففي المقطع الأول يظهر الطفل بمشهد تلقائي، في وقت الحدث (تهدم منزله)، ويمكن اعتبار الطفل في هذا المشهد نموذجا عشوائيا ممن تضرروا من القصف الذي وقع على مدينتهم (إدلب)، وخسروا كل شيء. يظهر إلقاء الطفل عفويا، والمشهد خال تماما من أي إضافات أو مؤثرات، يصنف المقطع بأنه مشهد قوي من حيث لحظة التصوير وموقعه والأدوات البدائية التي تم استخدامها لتصوير هذا المشهد، لا تتعدى كاميرا بسيطة بيد ناشط إعلامي مبتدئ والحوار الذي قدم للجمهور المستهدف، كان يحمل أصدق أنواع الاتصال الإنساني، بكل تأكيد يمكننا تصنيفه على أنه جزء من حملة إعلامية لها موادها ووسائلها وقنوات الاتصال الخاصة بها، ولكنها حملة لا يمكن قياسها بالحملات الإعلامية الترويجية الاختصاصية، لما تملكه الأخيرة من مقاييس دقيقة من حيث الأهداف (المرحلية والبديلة والتفصيلة)، إضافة إلى أنها لم تقم على أساس تحديد وتحليل الجمهور المستهدف و اتجاهاته و الخصائص النوعية والكمية له إلى ما هنالك من اعتبارات عادة ما يقاس أو يتوقع نجاح الحملة أو فشلها على أساسها. 

أما المقطع الثاني فيظهر فيه الطفل ذاته بعد انضمامه إلى تنظيم الدولة خطيبا فصيحا يوجه رسالة واضحة لجمهور محدد، بخطوات دقيقة ومدروسة، وهنا تظهر المهارات الإخراجية والانتاجية والتصويرية المستخدمة في عملية التصوير، والأهم من ذلك أنه يمكن أن نقيس جودتها كحملة ترويجية، دعائية "لدولة الخلافة"، والتي حددت بشكل مسبق جمهور الحملة المستهدفة وخصائصه الفردية والجماعية -موروث ديني واجتماعي- وانطلقت على أسس سياسة إعلامية مؤثرة، أوصلت مضمونا قد لا تتسع صفحات للحديث عنه في مئة وخمسين ثانية فقط. 

مئة ثانية خصصها المخرج لحديث الطفل أثناء تواجده أمام حطام منزله، وخمسون ثانية لا غير كانت كفيلة لأن تبث رسالة قوية، لكافة القوات المتصارعة على الأراضي السورية بمن عليها، وعلى وجه الأخص قوات المقاومة الشعبية بجزأيها من جيش حر وفصائل جهادية لا تنتمي لتنظيم الدولة أو تعاديه. 

ثانيا: الطفل نفسه والذي لا يكاد يصدق ما حدث له، ولأسرته الطفل المنهار نفسيا والمقتول معنويا، والذي نقرأ في ملامحه الذهول والدهشة والارتباك والخوف والحزن العميق، بكل تعابيره الطفولية البريئة بعينيه الدامعتين وصوته المتهدج الذي يحمل نبرات القهر والألم وهو يعرض تفاصيل حياته اليومية التي لا تتعدى شرب الماء وجلسة مع الجيران عندما تمطر السماء، يبحث في هذه التفاصيل عن الذنب الذي ارتكبه بحق الأسد حتى يدمر منزله والاستفهام المكرر نحنا شو اعملنالو؟ حيرة واستغراب، وتساؤل لا يجد له جوابا؟ واقع صادم يعيشه، رفع يده وضم أصابعه في إشارة إلى حاجته للتحدث مع أحد عله يُفهمه و يَفهمه. 

لكن لم يجد من يهتم له سوى تنظيم الدولة التي حولته في المقطع الثاني إلى "شبل من أشبال الخلافة"، بمظهر نظيف و ثقة عالية، يبعث رسالة واضحة مقتضبة بلغة عربية فصيحة، تحول هذا الفتى من طفل يتحدث بعشوائية ويستخدم لغة الشارع، إلى فتى مقدام يدرك تماما ماهي أهدافه، وإلى أين سيصوب بندقيته التي ظهرت إلى جانبه في المقطع. 

والخطير في المقطع تحول الخطاب من طفل الثورة التي قامت ضد الأسد ونظامه إلى خطاب ديني طائفي يتجه لمعاداة المسيحيين الذين كانوا جزءا من الثورة ونسي الأسد وما فعله، فلقد استطاعت تربية التنظيم أن تحول مسار شعور هذا الطفل وتغير أهدافه من رغبة عفوية بإسقاط الأسد "بالصرماية"، إلى "محاربة الصليبيين". 

ولكن الطفل مازال طفلا حتى بعد أن كبر مع الثورة أربع سنوات وهو يتوجه برسالة محفوظة قد لا يفهم معناها، فهذه اللغة لا تنتمي إلى لغة الأطفال في هذا العمر، ولكن أُريد منها أن تقدم نموذجا متطورا لصناعة التنظيم من البشر المجهّلين.   

نفسيا؛ تحول من شخصية طفولية اتكالية مهزومة إلى شخصية يبدو عليها النضوج وروح المبادرة والإقدام. شخصية تتمتع بصحة نفسية جيدة مقياسا للحالة التي صورها المقطع الأول. 

خمسون ثانية فقط، أرسل من خلالها تنظيم الدولة، أقوى رسالة من رسائله حتى اليوم، يقول فيها، نحن نعيد بناء أطفالكم الذين تدمرهم الصراعات، نحن نبني منهم جيلا مقاتلا، نعتمد عليه في مستقبلنا أساسا لبناء دولتنا، نحن نعتني بهم، و بثقافتهم (بغض النظر عن نوع التعليم أو الثقافة) ونبذل مجهودا لإنشائهم ببنية قوية وشخصية ثابتة وناضجة، ما الذي قدمته مقاومتكم لهم غير التهجير وعيش الخيام ومذلة انتظار معونات لا تسد رمقهم؟ 

ما الذي قدمه ائتلافكم وحكومتكم المؤقتة لأطفالكم؟ سوى مجموعة من الألعاب والكتب والألبسة التي لم تمنع عنهم برد شتاء ولم تقهم حر صيف؟

"هذه مناطقكم المحررة وهذه أراضي خلافتنا التي لن تغلق الأبواب بوجه تائب، فهلموا إلى عيش إنساني كريم تحت رعاية خليفة المسلمين"!
 
ثالثا: من الواضح أن من قام بإعداد هذا الشريط المصور، يمتلك مهارات وخبرات عالية في فهم نفوس الآخرين وكيفية التأثير فيهم، وفهم عميق للغة الجسد وإدراك لأهميتها في إيصال ما قد يتعذر قوله في صفحات. 

ما يهمنا قوله أننا نتعامل مع تنظيم يمتلك مهارات حربية عالية، ويعلم أين ومتى وكيف يوصل رسالته للجمهور المستهدف ويحصل على الاستجابة المناسبة. 

وعلى المقاومة الشعبية في سوريا اليوم أن تدرك تماما إمكانات أعدائها وأحجامهم الحقيقية، وأن تقف على التفاصيل دون تقليل أو تهويل ولا تقع في حربها ضد تنظيم الدولة، بذات الأخطاء التي ارتكبتها في محاربة الأسد والتي يمكن أن نقول بأن من أهمها كان الاستخفاف بالأسد ونظامه وأعوانه. 

ونعود لنؤكد بأنه من المهم جدا نسيان الخلافات والاتفاق على قيادة سياسية وعسكرية موحدة قادرة على إدارة المناطق المحررة، والقيام بالمسؤوليات والواجبات الإنسانية والأخلاقية تجاه الأطفال المتضررين، قبل أن يهرب جيل كامل من أطفال سوريا من ذل الأسد إلى "مجد دابق".
2
التعليقات (2)
عبدالعالئ
الخميس، 16-07-2015 10:22 ص
الحمد الله وحدهو الشركة اله ان معكم
مغربي
السبت، 11-07-2015 08:54 م
مقال جميل لولا ان تقولى : ".. من البشر المجهّلين" !