لأول مرة تقف عملية السلام أمام خطر انقطاع كبير كهذا.
صراحة، احتمالا مثل هذا، لا يضع المشكلة الكردية وحدها في خطر بل يؤثر في الوقت نفسه على الجو السياسي ويجعل توازنات الدولة قلقة.
أردت أو كرهت، تبقى عملية السلام الأمل السياسي لحل أكبر مشكلة فُقِدت فيها أرواح، وسالت فيها دماء ما كان يجب أن تراق. وإضافة إلى ذلك تعتبر تحولا من المنظور الاجتماعي، ومن وجهة نظر الشرعية السياسية.
والنقطة التي سنصل إليها في انقطاع عملية السلام تعبّر عن صراع ومجهود من الجبال إلى المناطق، من السواحل حتى المدن ومن البرلمان حتى المجتمع. لإفساد الإستقرار، واستدعاء الجو الأمني والمناخ الديكتاتوري، والدعوة للحرب الداخلية من جديد.
لماذا نحن أمام خطر الانقطاع ؟
أعتقد بوجود خمسة أسباب متداخلة لهذا الإنقطاع.
تناولت الأول منها سابقا: لقد فتح مجال للأكراد وللحركة الكردية داخل تركيا مع الحرب الداخلية في شمال سوريا. فالجنوب الشرقي التركي مع الشمال الشرقي السوري تجاوز الحدود بشكل رمزي ليدخل مع الوقت عملية إضافة سياسية غير مباشرة. وهذا الوضع يمثل عنصرا مهما في استراتيجية الحركة الكردية، ويعتبر أيضا عنصرا وشرطا مسبقا من قبل الأكراد في تناولهم ونظرتهم لعملية السلام. في مقابل هذا، سياسة الدولة "في الفصل بين الأكراد في الداخل والخارج"، "واعتبار تشكيلات الكيانات السياسية الكردية خطا أحمرا"، "وتنزيل المسألة إلى التكامل الديموقراطي" ما يشكّل تباينا كبيرا مع الوضع الجديد.
وقد عمّقت التطورات الأخيرة من التباين بين الأطراف وزادت من حدّته لتصل إلى إمكانية قطع العلاقات: لأن سيطرة القوات الكردية على مدينة تل أبيض ستجمع الإقليمين مع بعضهم، وفي حال ضم مدينة جرابلس سيكون الحديث وقتها عن الأقاليم الثلاث وتوحيدها، وهذا ما يفسّر نظرة تركيا لمسألة التطهير العرقي في المنطقة ومباشرتها التحرّك للتدخل وحماية أراضيها.
لكن هناك نتيجة.
و النتيجة، أن النظام بدلا من نظرته "لعملية السلام والسياسة" محور المسألة الكردية أصبح يرى أن "الإهتمام الوطني، والمواقف الأمنية" هي المحور الفعلي للمسألة.
بالنظر إلى توازنات المنطقة مع حالة القوات الكردية وحزب العمال الكردستاني ورد الفعل التقليدي للدولة المتكاملة مع حزب العدالة والتنمية نجد أنه لا علامات تدل على أن هذا الواقع عابر. ووضع كهذا يمثل بوضوح ضغطا حقيقيا على عملية السلام وسيشكّل وضعا مليئا بالصراعات والأزمات، لتركيا والعراق وسوريا.
"العامل الثاني" الذي يهب في تركيا، من حيث التصور السياسي متعلّق بإقليم متفاعل ومنغلق على نفسه. وهذا الإقليم، المشاكل أو الإخفاقات التي في الدولة، الأزمات التي تواجهها، وتفسير التيار السياسي المحافظ له بمنطق المؤامرات، والتركيز المبالغ فيه على العقل العلوي، اليد الخارجية والعدو الخارجي، ومركزية الغرب وإسرائيل، والزخم الذي واكبه على مستوى الإعلام والرأي العام.
ولهذا الأمر نهايتان، من الجانب الأول مناقشة جميع المشاكل، وعلى رأسها المسألة الكردية نقاشا يتميز بالنقد، وتجاوز الأخطاء واتخاذ سياسة تصحيحية، والخروج بالمسألة عن نطاق التحقيق، وبتعبير أوضح "خارج نطاق السياسة" والتطرّق لقضية الدولة الواحدة ذات المحور والتعريف الواحد، أيضا مع خفض أعمال "التقنية" و"التنظيم"، "المصالح" والتكتيك". من الجانب الآخر وخصوصا القوى الدولية في المنطقة، وأميركا مثلا التي لا يخفى سعيها في سبيل إقامة دولة للأكراد في المنطقة، ولهندستها لهذه القضية تصبح هذه القوى العنصر الأم للمسألة الكردية. فمع المتطلبات الداخلية والديموقراطية، وسقوط المبدأ من اللعبة أو سقوط لعبة المبدأ، ولأجل المصالح الوطنية والضرورات السياسية، تهيمن المصلحة.
من الواضح أن هذا العامل الأخير في تداخل مع العامل الأول. وهذا الوضع حرّك نوعا من الاستقطاب الجلي من خلال المسألة الكردية أو الضغط المعاكس لعملية السلام. فهذا النسيم الذي بدأ بعد أحداث تقسيم قد تحول بعد الانتخابات إلى عاصفة هوجاء لا تبقي و لا تذر.
الكلام طويل والمكان محدود.
العناصر الأخرى التي تضع عملية السلام أمام خطر الجمود والإنقطاع، بالترتيب تظهر أمامنا كالآتي"التحول في نظرة أردوغان"، "طمس لاعبي العملية"، "ربط الأحزاب السياسية العملية بالأصوات بعد الإنتخابات" و"الطيف السياسي الجديد".