لم أجد للحق في المعاجم تعريفاً إلا بالنفي -نقيض الباطل- أو القول ببساطة إنه الثابت الذي لا يتغير.
ولذا، فتسويق الحقيقة التي قررها اختبارُ الملاحظة هو العَنَتُ ذاته؛ لأن الكاتب عندنا بعد جواز حاجز الحرية الضيق يلزمه عبور الثاني الأضيق، وهو شح المعلومات، ثم يثلِّثُ بالأصعب، وهو إقناع المتلقي بأن الحقيقة أمام عينيه فعلاً، وعليها من البراهين ما يُحيلها مسلَّمة لكنه لن يفلح بسبب إلحاح من استأجرهم أمن الدولة من مفكرين ومذيعين وراقصات وكَتبة.
ففي جريدة الشعب –الأهرام- ستجد عمرو عبد السميع يكتب مقالاً ضافياً حبَّر فيه اللفظَ وانتخَلَ فيه الأسلوب يشكو مستعطفاً القارئ –يا ولداه- ومخاطباً رئيس الجمهورية ليحنو على الأم الملتاعة زميلته سعاد طنطاوي في الجريدة لتعيين ابنها وكيلاً للنيابة بعد أن استبعده الإخوان –وهل هناك غيرهم؟!-، وكيف أن هذا ظلم بيِّن وجناية فظيعة.
يا بختك يا ابن سعاد!
أقول كيف عساي أقنع الناس أن مبارك في السنوات العشر الأخيرة كانا ممتازاً لا كما تقول الندَّاهة ثم يردد صداها من بعدها الآلاف أن العشرية الأولى له كانت هي الأفضل.
بالعلم أقول إن برنامج الخصخصة قد نجح، لاسيما في التسعينيات رغم الهجوم الحقير الذي قُتل فيه 58 سائحاً في 1997 وقصد به المجرمون ضرب الاقتصاد لا مبارك.
لقد ذُهل خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (وهما بالأصل بيتا خبرة) من مرونة الاقتصاد في الأزمة المالية 2008!
فقد نما إجمالي الناتج المحلي 7 بالمائة، وتلك معجزة حتى لو لم يقطف ثمارها كل الناس، نعم، بالعلم مرة أخرى أحيلك إلى كتاب عمدة في بابه رغم أني لست متخصصاً بالاقتصاد لكنني بلا قافية أجيد القراءة والكتابة (just a lay reader)، وهو "رخاء بلا نمو" لتيم جاكسون الذي يقرر أن زيادة النمو لا تعني بالضرورة رخاء بل أحياناً يكون الرخاء بدون النمو، لأن المعول عليه ليس زيادة الناتج المحلي وإنما التوظيف والمدخرات، وبالتالي ليس عيباً جوهرياً لنظام مبارك ألم تصل آثار النمو إلى آحاد الناس.
نفس الرأي يتبناه نائل نوبل جوزيف ستيجليتز الذي يفصل بين النمو والرخاء خاصة وأن النمو يتأسس على استنزاف الموارد ومن ثم إضعاف الاستدامة.
لم يفشل الإخوان أصلاً لأن مشكلات مصر أعقد وأفدح من أن تحسم حتى في عشر سنوات لاسيما وهي مرتبطة بثقافة الشعب، ولولا المساحة لفصلت الكلام تفصيلاً من حكايات عن طبائعنا نحن المصريين تستطيع الوقوف أمام أكبر جحافل التنوير والتثقيف والتعليم والتهذيب وكل خير وأي خير!!
القضاء المصري فعلاً شامخ وكونه حكم بجملة إعدامات مروعة يتقاطع مع تبرئته مئات الإخوان، لكن الثانية تُستر والأولى تُفضح، والجيش عمود الخيمة نعم، ونفعه أكبر بكثير جداً من إثمه، ولو كنت مكان الإخوان لقلت أنا بهما أولى بعد توريط السيسي لهما، ومصر فوق أي اعتبار، ولن أُرهب أو أرد السوء بالسوء، بل سأصبر وأتعفف وأتدبر وأجاهد نفسي وأتعلم من أخطائي وأغفر لكل من ظلمني وأقدم مثالاً وقدوة لكل المزايدين عليَّ.. لكن يبدو أن الإخوان لم يزل داؤهم العَياء!