تصادف وقت كنت بكلية الدعوة أن عرفت فيها من كثب مشاهير كانوا فاعلين في المشهد السياسي بعد انتفاضة يناير، وأولهم وزير الأوقاف طلعت عفيفي وعبد الله بركات وجمال عبد الستار وعمر بن عبد العزيز (كما يحلو له تلقيب نفسه) والعميد الحالي الصوفي نصير شفيق المتعصب جمال فاروق مع حفظ الألقاب.
فأما عفيفي، فكان لا يألو جَهدا في الدعاية للإخوان، لدرجة أن جمع الموظفين -وكنت من بينهم- في مكتب العميد، راجياً أن نصوّت لمرسي، وهو عمل وإن طوى حسن نية أفترضها، لكنه انتهاك صارخ لمؤسسة عامة لا يصح أن تنحاز أو تكون محلاً للدعاية، وإن لم يكن هذا مستغرباً في مصر؛ إذ بلغ السفه حد لصق دعاية عيادات الأطباء العاملين بالمستشفى الحكومي داخل أروقة المستشفى نفسه، بل وعلى سيارات الإسعاف!
لكن تعيين عفيفي كان ذا طابع إخواني صرف؛ لأن السلفيين اختاروا محمد يسري إبراهيم، وفضَّل الأزهر أسامة العبد، وانحازت الجماعة لعفيفي، لخدماته المتفانية للتنظيم، وجولاته المكوكية من أسوان إلى الإسكندرية حشداً لمرسي.
إذا مددنا الخط على استقامته، وجدنا عفيفي نموذجاً مصغراً لكيانات ومسميات كبيرة خلقتها الجماعة، لتستمد منها الدعم والتأييد، وهو ما أضاع الجماعة؛ لأنها كانت كحاطب ليل خلط الغوغاء بالخواص فأمست كمغناطيس يجذب المنتفعين إليه سَبَهْلَلاً.
انتهجت الجماعة ما اعتادته ذاته من سياسة الحشد والتعبئة لكسر عين الدولة المصرية، وهو ما انتبه إليه السيسي، فحشد هو الآخر الكنيسة والصوفية والإعلام والقضاء والشرطة والحزب الوطني والخليج وغيرهم الكثير والكثير.
عقدت الجماعة صفقات كانت الصورة وحدها كفيلة بفضحها، ودونكم ثلاثة مقاطع فيديو، في الأول يظهر فيه العريان؛ إذ تبدل حاله، فتلبسه الكبر قائلاً بضحكات هستيرية لعمرو موسى إذ يرجوه الأخير أن يعفو عن مبارك: لا يا عمرو بيه: من السجن للقبر! وهو ما أثار حفيظة الحزب الوطني فأسرها في نفسه، وتحين الفرصة، بسبب إصرار الإخوان على إذلال مبارك والانتقام منه، ولم يكن الرجل طاغية.
والمشهد الثاني لصبحي صالح المستميت دفاعاً عن السيسي وإطراء له بصفحته على "فيسبوك" حيث كانت الجماعة تصف السيسي بأنه: "وزير دفاع بنكهة الثورة" إذ يحتضن صالح عبد المنعم الشحات والأخير يبكي (لسذاجته اعتقاداً أن الصف الإسلامي واحد) إذ يَبْدَؤُهُ صالح بقوله: لا بد أن نتَّحد ضد هذه الحرب على الإسلام! فيما بيَّت صالح وجماعته النية للانتصار للمرشح السكندري الآخر ضد الشحات! وهو ما جعل الشحات وحزب النور يدركون أن الأمر دنيا وليس بدين!
المشهد الثالث للكتاتني وهو يدخل مصطحباً قيادات المجلس العسكري بجامعة قناة السويس؛ إذ تضج القاعة بالصراخ: يسقط يسقط حكم العسكر، ثم يشير الكتاتني بأصبعه للجماهير (الإخوانية) أن اسكتوا فيسكتوا، فيدرك العسكريون أن الزرَّ بيد الإخوان، إن شاؤوا فعَّلوه، وإن شاؤوا أخمدوه!
وأما عفيفي (مرة ثالثة)، فقد رأيت مدى ما تلبسه من كِبر أجد من العفة ألا أذكر ملابساته لاحتمال سوء فهمي أو ظني أنا، لكن الحالة العامة التي تلبست التنظيم وأنصاره هي الكِبر واللامبالاة، وإلا فهم من قدَّم السيسي وأنعم عليه بمنصب وزير الدفاع متخطياً ستة من قيادات الجيش الأَولى منه بالمنصب، لدرجة أن قال الصحفي صلاح منتصر إن هذا وحده كان كفيلاً بإقناعه أن السيسي من الإخوان.
ليس الغرض من كلامي هو جلد جسد أثخنته الجراح، ولكن المأساة الحقيقية أن جماعة انتسب إليها من هم في شرف الشيخ ياسين والرنتيسي تكون بهذا الضعف والانتهازية التي أضاعتها وأضاعت مصر، لا سيما في هذا الوقت الذي يقع فيه الإسلام ذاته في مرمى نيران الغرب الذي يرى أن الإسلام نظام سياسي يلغي ما عداه من حضارات وأنظمة سياسية، حسب هنتنجتون في منتصف التسعينيات، رغم تصويب جراهام فولر في 2008، وتجليته لكون الصراع بين المصالح والهيمنة لا الثقافات.
السيسي نسخة منتسخة من الإخوان، والمجد للأطهار من الشباب الذي يواصل المطالبة بحقوقه، ملتزماً السلمية، صافحاً عن محدثي النعمة نهَّازي الفرص، ولهؤلاء الشباب الأشاوس أقول: جدوا السير، لم يبق إلا...نصف الطريق!