صحافة دولية

سعي الحكومة لتأسيس مجلس جديد يطرح سؤال: من يمثل مسلمي فرنسا؟

مسسجد باريس الكبير
مسسجد باريس الكبير
نشرت صحيفة سلايت الفرنسية تقريرا حول إعلان الحكومة الفرنسية عن اعتزامها تأسيس هيئة جديدة للحوار مع المسلمين في فرنسا، وتوقعت أن تواجه هذه الخطوة تعقيدات كبيرة بسبب صعوبة تعريف "مسلمي فرنسا".

وقالت الصحيفة في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، أن وزير الداخلية، برنار كازانيف، كان قد أعلن بعد أسابيع من هجمات "شارلي إيبدو" في كانون الثاني/ يناير الماضي عن رغبته في إعادة النظر في تمثيل الإسلام في فرنسا.

وأضافت الصحيفة أن هذه الرغبة في التغيير تطرح تساؤلات عديدة حول دور "المركز الفرنسي للدين الإسلامي"، الذي يتعرض باستمرار لانتقادات لاذعة واتهامات بالعجز عن تمثيل المسلمين والدفاع عن مصالحهم.

وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن دليل بوبكر، رئيس المركز، مطالبته بتوضيحات حول نوايا الحكومة، وتأكيده على أن يحافظ المركز الفرنسي للدين الإسلامي على كامل أهميته، وأن يكون في قلب هذه الهيئة الجديدة.

وأشار التقرير إلى أن الدولة الفرنسية تسعى منذ سنوات لإرساء حوار مع أكبر عدد ممكن من مسلمي فرنسا، ولكنها تواجه هي والمركز الفرنسي للدين الإسلامي صعوبات عديدة، حيث إن هذا المركز استغرق أكثر من 25 سنة ليصبح كما يعرفه الناس اليوم.

فقد تم بداية تأسيس "مجلس التفكير في الإسلام" في سنة 1988، على يد الوزير بيار جوكس، ولكن مسلمي فرنسا رفضوا مساندة هذه المؤسسة واعتبروها مفروضة عليهم ولا تمثلهم، وهو المصير ذاته الذي لاقاه "مجلس تمثيل المسلمين في فرنسا" سنة 1993.

وأضاف التقرير أن المحاولات العديدة والمتعاقبة أفضت في النهاية إلى تأسيس "المركز الفرنسي للدين الإسلامي" في نيسان/ أبريل 2003، بمساندة من نيكولا ساركوزي الذي كان عندها يشغل منصب وزير للداخلية. وظل هذا المركز تحت قيادة دليل بوبكر، باستثناء الفترة من سنة 2008 إلى 2013، حيث انتقلت القيادة إلى محمد موسوي.

ووصفت الصحيفة النظام الانتخابي الخاص بقيادات المركز بأنه معقد، حيث ينص على اختيار رؤساء المساجد لممثلين لهم ينتخبون بدورهم مجالس جهوية، ثم تجتمع هذه المجالس لاختيار أعضاء مجلس إدارة المركز الفرنسي للدين الإسلامي.

ونقلت الصحيفة عن محمد حنيش، الأمين العام لاتحاد الجمعيات الإسلامية في سان دوني، قوله إن هذا النظام الانتخابي لا يمكن مسلمي فرنسا من قول كلمتهم في الانتخابات، ويفتح الباب أمام المحاباة. ودعا حنيش للسماح للمسلمين بالتصويت مباشرة عوضا عن فسح المجال أمام إدارة المركز للتلاعب.

كما أشارت الصحيفة إلى أن تمثيل "المركز الفرنسي للدين الإسلامي" للمسلمين ضعيف، حيث إن هذا المسار الانتخابي يشمل فقط تلك المنضوية تحت المركز، وعددها 901 مسجد، فيما يبلغ العدد الإجمالي للمساجد في فرنسا حوالي 2500.

ونقلت الصحيفة عن أوليفيي روا، الأستاذ في مركز الدراسات الأوروبية، قوله إن فشل المركز الفرنسي للدين الإسلامي يظهر من خلال عجزه عن التحرك والاضطلاع بدوره، خاصة عندما انتظر الجميع أن يتدخل في مسائل جدلية، مثل مسألة اللحم الحلال، وارتداء البرقع، وتكوين أئمة المساجد، ولهذا فهو لا يحظى بالثقة والشرعية لدى المسلمين. وقد ظهر ذلك جليا من خلال ردة فعلهم على تبني هذا المركز لموقف الحكومة الفرنسية الرافض لتنظيم مظاهرات مساندة لفلسطين في صيف 2014، حيث تجاهل المسلمون تعليماته، وخرجوا في مظاهرات عفوية.

كما أشار التقرير إلى أن أهم ثلاث منظمات شريكة في المركز الفرنسي للدين الإسلامي، وهي "تجمع مسلمي فرنسا" و"لجنة التنسيق بين المسلمين الأتراك في فرنسا" و"الجامع الكبير بباريس"، تتعرض بدورها لاتهام بكونها تابعة للرباط وأنقرة والجزائر على التوالي، وهو ما أدى لخلافات فيما بينها، كان أخطرها الخلاف حول تحديد أول أيام شهر رمضان في صيف 2013، ما أدى لارتباك كبير في أوساط مسلمي فرنسا، وهو ما اعتبرته الصحيفة دليلا على صعوبة توحيد مواقف الهيئات الممثلة للمسلمين.

وطرح التقرير تساؤلا حول مدى رغبة المسلمين في اختيار من يمثلهم، وقال في هذا السياق إن المسؤولية لا تتحملها الحكومة الفرنسية والمؤسسات التمثيلية فقط، فعموم مسلمي فرنسا أيضا لا يبدون اهتماما كبيرا بهذه الأمور، حيث يعيشون في مجموعات، ولا يهتمون كثيرا بالشأن العام، ولا يتواصلون مع ممثليهم المنتخبين.

ورأى التقرير أن "انعدام التجانس" سببه التنوع العرقي والمذهبي الكبير الذي يميز مسلمي فرنسا والدول الغربية عموما، حيث شهدت فرنسا موجتي هجرة، جلبت مسلمين من أصول متنوعة، على غرار الجزائر والمغرب وتركيا، وكل مجموعة جاءت برؤية مختلفة للتدين.

كما أضاف التقرير أن الإسلام، على خلاف الأديان السماوية الأخرى، يتميز في داخله بالتعددية والتنوع، فبالإضافة للتيارين الرئيسيين، وهما السنة والشيعة، توجد تيارات أخرى كالتصوف والإخوان المسلمون والحركات المتشددة.

ونقلت الصحيفة عن أوليفيي روا قوله إن الغرب يتحدث كثيرا عن إسلام واحد، ولكن هذه الديانة متنوعة كثيرا، حيث لا يمكننا الخلط بين الصوفية والإخوان المسلمين مثلا. كما أن المسلمين يأتون مهاجرين باحثين عن العمل من بلدان عديدة، ولهذا، فإن ثقافاتهم متعددة ومختلفة.

وأشارت الصحيفة إلى أن غالب بن الشيخ، مقدم برنامج "الإسلام" على القناة الفرنسية الثانية، تحدث عن غياب مرجع محدد يمثل المسلمين، وقال في هذا الشأن: "إن غياب سلطة مركزية أو هيئة دينية مرجعية يمثل أمرا إيجابيا، خاصة بالنسبة للمسلمين المثقفين الراغبين في الحرية، حيث إنهم يشعرون بعدم الحاجة لوساطة بينهم وبين الله أو طرف يتحكم في حياتهم الروحانية، على عكس وجود الرهبان والقساوسة والأساقفة في أديان أخرى. فالإيمان في الإسلام مسألة بين العبد وربه، وهو ما يمكن أن يحيلنا على اعتبار أن كل مسلم -سواء كان رجلا أو امرأة- هو أسقف نفسه".

وفي الختام، انتقدت الصحيفة تهميش دور الشباب في الحوار بين الإسلام والدولة في فرنسا، وقالت إن رجال السياسة يخوضون النقاشات مع كبار السن، وهو ما يؤدي لمفعول عكسي، لأن بعض قدماء الأئمة لا يتمتعون بأي مصداقية أو اهتمام من طرف الجيل الجديد، كما تقول الصحيفة.
التعليقات (0)