قضايا وآراء

في متحف الغوغاء: أعط السُّوقة ما شاؤوا من الخمر

محمود الفقي
1300x600
1300x600
في مقال عالم النفس التنظيمي وإدارة الأعمال ويليام ليفينسون عن الحرب النفسية والدعاية بعنوان: "الحرب النفسية؛ ألد أعداء داعش"، نتسلى برسوم توضيحية غاية في العمق والدلالة للحرب النفسية بين أتباع الملل والأديان والنحل، بادئاً بالصراع البروتستنتي الكاثوليكي في بداية الطباعة أوائل القرن السادس عشر، حيث الحجة لدى البروتستانت: "أنا البابا الشيطان" وعند الكاثوليك: "لوثر مزمار الشيطان".

يُعرف الكاتب الحرب النفسية بأنها الاستخدام العلمي المدقق للصور، ثم يحكي أمثلة لكراهية السياسيين لرسامي الكاريكاتير والصور التي تفضحهم، ويذكر من خطر الدعاية الصفراء أنها كانت سبباً في الحرب الإسبانية الأمريكية التي حصدت أرواح أكثر من سبعين ألف جندي، ثم يورد كلاماً ثميناً عن تقدير هتلر (في كتابه كفاحي) لقوة الدعاية، وأن الفشل في الحرب العالمية الأولى كان مرده إلى ضعفها. 

لكن الذي مس قلبي هو الرسوم العدائية بين الحلف الثلاثي (روسيا وبريطانيا وفرسنا) وألمانيا، حيث كتب الحلف عن ألمانيا: "الثقافة مرت من هنا"، وفي الصورة أم مقتولة ومعها ابنها المقتول، مع كلمة كولتور التي تعني الثقافة الألمانية تحديداً.

وليس من شك أن أشرس أنواع الحرب النفسية هي نزع صفة الآدمية والإنسانية عن العدو، وليس الاكتفاء بالسخرية به مثلما حدث من أمريكا ذاتها ضد اليابانيين.

ولأن الكاتب صهيوني؛ فهو يدعو إلى الحرب النفسية، بوصفها سلاحاً هجومياً ناجعاً، وليس دفاعياً، ويقول إن الأولى ليس الدفاع ضد شيوع معاداة السامية في الجامعات الأمريكية والأوروبية، بل التشجيع على كراهية المعادين للسامية أنفسهم، وكتابة عبارات تحريضية ضد إيران، لشنقها شواذاً، أو البحث بالتلفيق والتلزيق في الإرث الكاره للمرأة عند المسلمين، استباقاً لأي مظاهرة ضد إسرائيل من المجتمع المدني المسلم في أمريكا، وينصح بتطبيق شعار متحف الغوغاء في لاس فيجاس: "أعط الناس ما يطلبون" والمقصود هو الخمر، والمستهدف هم العامة الذين نجح هتلر وجوبلز في تعميق كراهيتهم للأجناس الأخرى واستثمار همجيتهم ضد الآخر.

وكلمتي الأخيرة هي أن الحروب والكراهية وكل مشتقاتها ليست سوى حصاد أقوالنا وأفعالنا التي قد تبدأ بأغنية "إحنا شعب وانتوا شعب"، وتنتهي بمراهق نفذ وحده أكثر من عشرين عملية إرهابية قتل فيها 14، منهم عشرة ضباط، وساعتئذ تقف حيراناً مضطرباً متسائلاً: من الجاني؟ وهل يصح في المنطق أن يوصف مراهق بالإرهاب، أم الأيسر أن نكون جميعاً فاشلين محرضين بالدعاية والإعلام والغوغائية على هدم الوطن وشيطنة المخالف، فليست الكلمة هينة، فالحرب تبدأها فتوى ورسم بسيط.. وكذا الحريق بِداؤُهُ بشرارة، كما نُسب للتوحيدي.
التعليقات (0)